تفاجئنا الباحثة صافية القحطاني في أطروحتها لنيل درجة الماجستير من جامعة الإمام بعنوان: (أسلوب المدح في الدعوة إلى الله) بنتيجة طالما يحتاجها الخطاب الديني في يومنا هذا. أثر إيجابي ومحَبِب للنفس البشرية، مما يترك بهجة في النفوس والتقرب إلى الله والشغف برسالة حبيبه المصطفى، صلى الله عليه وسلم، ويرد على كل من افترى على الإسلام بالعنف بأسلوب أكاديمي علمي لا يقبل الشك.
وحين قرأت الأطروحة بمقدمتها التي تطرح هذا السؤال الكبير: "كيف تكون الدعوة إلى الله وكل ما للمدح من أثر في ذلك"؟ وذلك في زمن أصبح فيه العقل البشري نشطا ومتلقيا لكل العلوم والمعلومات، وفي زمن أصبح فيه العقل البشري أيضا يجنح إلى التصلب بالرأي والتشبث بالفكر، فأصبح فيه الإقناع أمرا صعب المنال! هذه سمة العصر مع اختلاف الأزمنة والأمكنة. ثم حيثيات البحث الذي اعتمدت فيه على الكتاب والسنة وما أمكنها طرحه مما انتهت إليه دراسات الآخرين.
تم طرح أهم ما ينال الفكر الإسلامي من تناولات قد تكون أقرب إلى الشطط من أناس يحاولون التجريب في استخراج (كروت الشهرة والأضواء)!
فحينما اطلعت على هذا البحث وهذه الرسالة أيقنت أن هناك أساتذة وعلماء عظاما بين ردهات جامعاتنا، وأن العلم في مأمن عن أعين الغرباء وأيدي العابثين ولله الحمد والمنة، ولكن هناك سؤال محير وهو: لماذا لا تنشر هذه الأطروحات ويسوَّق لها لتصل إلى أيدي العامة من غير المتخصصين؟ فليس العلم محصورا على فئة معينة ولا أن يوضع على أرفف الجامعات، فهو والله علم نفيس ولا يعلم عنه العامة شيئا في شتى بقاع الأرض. لا بد أن تترجم وتنشر باللغات التي يطلع عليها مسلمو الأرض، فأرضنا - ولله الحمد - زاخرة بالعلم وبالعلماء الحريصين على نقاء الإسلام ويسره وحبه للآخر.
الأطروحة تناولت أثر المدح للمدعو وللداعية أيضا، إلا أنها ركزت على المدح للمدعو. والمدح هنا هو ذكر جماليات الدين والتحبب فيه. وأعتقد أن بعض الدعاة في يومنا هذا يحتاجون أيضا إلى مثل هذا الأسلوب المستقى من كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم. فبعضهم يستخدم أساليب تنفر وتخيف أكثر مما تحبب، وتنفر أكثر مما تجذب. وهذا ما نشاهده على كثير من قنوات الفضائيات العربية اليوم، من تخويف يصل إلى درجة الفزع أو قراءات جوفاء كما في البرنامج شبه اليومي على إحدى القنوات الذي لم يعد خافيا على أحد والذي يدعو إلى الشك من أجل اليقين بمنهج ديكارتي فج، وبأسلوب الهدم من أجل البناء. وهو منهج شاع فيما بعد الحداثة، خاصة التفكيكية بروادها "جاك دريدا" و"ميشيل فوكو" و"إدوارد سعيد". وقد علق عليه أحد المشايخ الكبار بأنه منهج حداثي، وهو ما تنتهجه داعش الآن "الهدم من أجل البناء، أو الفوضى الخلاقة"، وهذا ما نوهنا له أيضا في موسوعة "نقد النقد" لما لهذه المناهج من خطورة على ديننا وقيمنا وفهمنا أيضا.
أكاد أن أجزم أن الداعية لا بد أن يكون خبيرا بأساليب الخطاب، فالخطاب في هذه الأيام أصبح مفزعا على الفضائيات العربية إلا من رحم ربي. ولا يتسع المقال لطرح وتفسير حيثيات الأطروحة الشرعية المجازة بدرجة امتياز من قِبل علماء أجلاء، ولكنني سأسوق عليكم نتائجها فتقول:
1- تبين من خلال البحث أصالة أسلوب المدح في الدعوة إلى الله، فهو ثابت بالقرآن الكريم والسنة المطهرة.
2- ثبتت فاعلية أسلوب المدح في الدعوة إلى الله، إذ إنه يحقق تأثيرا إيجابيا وفوائد عظيمة للدعوة إلى الله، ويظهر ذلك من خلال:
- تحسين عرض الدعوة إلى الإسلام وتزيينها وتوضيح محاسن الشريعة الإسلامية ونبل مقاصدها.
- التمهيد لعرض دعوة الحق على أهل السلطة والوجاهة، وأهل المكانة، والدخول إلى نفوسهم بطريقة لينة رحيمة والإشادة بهم للاستمرار على العمل الصالح والثناء عليهم وتثبيتهم.
- نشاط المقصد من أمة الإيمان والعقيدة الصحيحة، حيث إن هذا الأسلوب يسهم في تحفيزه للإكثار من العمل الصالح وترك الكسل والتخاذل.
- بعث الإيمان في نفوس الظالم نفسه من أمة الإيمان والعقيدة وتغيير اتجاهاته المنحرفة وتعديل سلوكه إلى الاتجاهات الصحيحة والسلوك القويم.
- ثبت إسهام المدح في صلاح المجتمع المسلم ويظهر ذلك من خلال: إشباع أسلوب المدح للحاجات والدوافع الفطرية الإنسانية لمواكبته السمات الشخصية الثابتة والمتغيرة في الفئات الاجتماعية. التوصل إلى حل أمثل بأسلوب المدح تجاه بعض السلوكيات المنحرفة وبعض المشكلات الأسرية في المجتمع المسلم. ويسهم هذا الأسلوب في معالجة بعض العادات السيئة في المجتمع، ويعتمد على ما تتميز به الفئات الاجتماعية من أفعال مشرفة وفضائل حميدة تسهم في رفع مستوى المجتمع المسلم.
3- ثبت أن لأسلوب المدح في الدعوة إلى الله نتائج إيجابية على الداعية والمدعو إذا ما صح استخدامه، ونتائج سلبية على الداعية والمدعو إذا ما أسيء استخدامه.
4- وقد توصلت الباحثة إلى أن أسلوب المدح في الدعوة إلى الله يعتمد على العقل والعاطفة في آن واحد، وليس على العاطفة فقط كما أشار د. الفاضل حامد العمري في أطروحته "الدعوة إلى الله بالمنهج العاطفي".
أعتقد أن هذه النقاط من نتيجة هذه الأطروحة تدعم بعض الدعاة في توخي السبيل الصحيح في الدعوة، وأنها تبرئ الدين الإسلامي من الافتراءات عليه، وتخلصه من نهج هؤلاء المتوحشين بحجة الدين الإسلامي من إرهابيين ودواعش وغيرهم. فما أحوجنا لمثل هذه الإضاءات على جوانب ديننا الحنيف والعمل بها، خاصة في هذا الوقت.