مرة أخرى يقع الوعي العربي في دائرة المفاجأة، وكما أنّنا لم نتوقع "عاصفة الحزم" أيضاً لم نتوقع عملية إعادة الأمل، وهذا يؤكد أنّ الوعي الإعلامي والسياسي ما زال بعيدا جدا عن إدراك عقل القيادة السياسية الجديدة التي اتخذت قرار عاصفة الحزم في اللحظة المثالية، وبعيدا عن توقعات الأصدقاء والأعداء، ولقد شاهدنا ارتباكا إعلاميا كبيرا مع الإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم وبدء عملية إعادة الأمل.
فتحت الفضائيات الهواء وتقاطر المحلّلون والمتابعون، وسمعنا سيلا من الأسئلة والأجوبة كلها كانت تدور حول عملية الحزم دون أن يكون هناك أي كلام يمكن أن ينقل المتابع العربي من حال الحزم إلى إعادة الأمل، رغم أن كل ما قامت به عملية عاصفة الحزم منذ اللحظة الأولي هو إعادة الأمل، وهذا ما عبّر عنه المواطن العربي على امتداد الوطن العربي الكبير. إنّ التعامل مع عاصفة الحزم كونها حدثا شعوريا محضا هو دليل على مستوى الهزيمة الذاتية لدى النخبة والعامة، إذ أسقطوا متابعتهم لأحداث سورية والعراق وليبيا على "عاصفة الحزم" باليمن، وكنت أعتقد أن تلك المشاعر باحترام الذات لدى كل عربية وعربي هو أمر مبرر في الأيام الأولى لعاصفة الحزم، وليس في الأيام التالية للعاصفة بعد ما أظهرته من دقة وحسن تعامل مع الأهداف الواضحة في المكان والزمان، وكلّنا يعرف ماذا كان يمكن أن يكون لو أن تلك العملية تأخرت يوما واحدا.
"عاصفة الحزم" هي باختصار منع تحويل اليمن إلى ساحة صراع جديدة على شاكلة العراق وسورية، والجميع يعرف أنّ الحوثيين ليسوا بالحجم الذي يسمح لهم بالحفاظ على المساحات الكبرى التي سيطروا عليها أو تلك التي كانوا يستهدفونها، والحقيقة هي أن الحوثيين طُلب منهم تحويل اليمن إلى ساحة صراع كبرى وذلك بسبب ما وصلت إليه إيران في كل من الميدان العراقي والسوري، وخصوصا بعد سقوط الموصل وقيام التحالف الدولي لمحاربة داعش في سورية والعراق، وهذا يعني خروج هاتين الساحتين من السيطرة الإيرانية.
انتهت عملية عاصفة الحزم وبدأ العمل على إعادة الأمل، لأنّ المؤشرات كانت كثيرة بهذا الاتجاه، وأولها محاولة إيران الدائمة للحديث عن العملية السياسية وهذا يعني أنّها فقدت زمام المبادرة في اليمن وهي تعمل للحد من الخسائر. المؤشر الأهم هو التواصل الذي حدث بين قائد عملية عاصفة الحزم، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس الروسي بوتين، وهذا تطور كبير في مسار الأزمة اليمنية وربما أزمات أخرى وعلى وجه الخصوص سورية، ثم مبادرة خادم الحرمين الشريفين بتقديم 279 مليون دولار الذي كان دليلاً على قرب عمليات الإغاثة، وهذا يعني تجميد العمليات الحربية، ثم جاءت الإشارة الأكثر وضوحا على بداية عملية إعادة الأمل من خلال حديث الملك سلمان عن مشروع مارشال لإعادة إعمار اليمن، وكلّها معطيات كان يجب أن تأخدنا إلى توقّع عملية إعادة الأمل.
إنّ الحزم والأمل هما وجهة وليسا مواجهة، ولا تزال نخبتنا تتعامل مع هذه الحالة بما هو حدث كبير وليس اتجاها جديدا، ولو بعد طول انتظار، وأنّ اليمن قد يكون أهون التحديات التي وضعتنا أمامها "عاصفة الحزم" وهي تحمّل المسؤولية تجاه أوطاننا ومجتمعاتنا وأشقائنا العرب، بعد زمن كان الإيرانيون يتباهون بأنّهم أصبحوا يسيطرون على أربع عواصم عربية، أي كل من بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، وبكلّ وضوح وهذا لم يكن وهما أو ادعاء.
أمور كثيرة تغيرت إن لم تكن كل الأمور تغيرت بعد "الحزم" و"الأمل"، وأنّنا أمام زمن جديد ولغة جديدة لا نعرف الكثير من مفرداتها ولهذا نتعثر في استشراف اتجاهاتها، ولا بد من عمليات مكثفة إعلامية وثقافية من أجل تدمير مخازن الخنوع والانهزامية والإحباط التي زرعها إعلام الأعداء في نفوسنا وعقولنا، وهي أسلحه فتاكة جعلتنا نفقد الثقة بأنفسنا ودولنا وحكوماتنا، حتى جاءت عاصفة الحزم لتصدمنا وخصومنا معا لأنّنا كنا أسرى أوهامهم وادعاءاتهم.
لا نزال في بداية الطريق، لكننا نسير بالاتجاه الصحيح، وما أكثر ما ينتظرنا في اليمن وسورية وليبيا والعراق و.. و.. وعلى وجه الخصوص في القضية المركزية والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولهذا علينا أن نكون على مستوى التحدي، وأن نخرج من توصيف الأحداث إلى فهم الأحداث، وهذا ما سنشاهده في قمة قادة الخليج مع أوباما في منتصف مايو المقبل، وأيضا مع الرئيس الروسي وكذلك مع التحالف الدولي ضد "داعش" بالإضافة إلى ما يتعرض له عرب العراق من "داعش" والحشد الشعبي معا.
إن ّما قدمته عاصفة الحزم هو إعادة الأمل، وهو اتجاه وليس مواجهة، وعليه فعلى النخبة أن تحزم أمرها وتتحمل مسؤوليتها.