عايش اليمنيون أكثر من مرة أزمة المشتقات النفطية، خصوصا في السنوات الأخيرة، لكن لم يسبق لهم أبدا أن تجرعوا مرارة أزمة كهذه من قبل، إذ تنعدم فيها حاجاتهم من المشتقات في السوق المحلية تماما، وحتى في "السوق السوداء" التي كانت ملاذهم في الأزمات الماضية.

في مقابل ذلك، يستأثر الانقلابيون بكل مخزون البلد وحدهم دون غيرهم، ويسخرونه في خدمة قواتهم المتمردة التي يخوضون بها حروبا عبثية في طول البلاد وعرضها، وأدى هذا التصرف إلى تعطيل حياة المواطنين اليمنيين، وبات الحصول على قطرة واحدة من هذا المخزون - الذي هو في الأساس ملك للشعب - حلما بعيد المنال.

وتعطلت حركة السير في شوارع المدن اليمنية، إلا من تحركات أطقم الحوثيين وقوات حليفهم المخلوع علي عبدالله صالح، أو من حركة بسيطة تنخفض نسبتها يوما بعد آخر لسيارات كانت تحتفظ بكميات بسيطة من الوقود حصلت عليها قبل أن يقع مخزون البلد بأكمله في قبضة الانقلابيين.

وتؤكد مصادر لـ "الوطن" أن الانقلابيين أجبروا شركة النفط اليمنية التي سيطروا عليها في أكتوبر من العام المنصرم على وقف صرف المخصصات المستحقة للمحافظات اليمنية، وتسليمها لهم ليقوموا بدورهم في توزيعها على جبهات القتال لتموين آلاتهم الحربية التي يصوبون أسلحتها نحو المواطنين الرافضين لسلطاتهم الانقلابية.

في العاصمة اليمنية صنعاء وبقية المدن الرئيسة تصطف طوابير طويلة من السيارات والمركبات والدراجات النارية أمام محطات البترول، ويبيت سائقو وسائل النقل ليالي طويلة على متن سياراتهم، أملا في أن تصلهم ولو كمية بسيطة من الوقود تساعدهم على قضاء أمورهم الضرورية.

وغالبا ما يعود ثلثا هؤلاء المصطفين الذين أرهقهم الانتظار دون أن يتحقق لهم هذا الأمل، بسبب نفاد كميات الوقود القليلة التي توجد في بعض المحطات، وتكفي لعدد قليل فقط مقارنة بحجم الطلب الكبير.

يقول أحد سائقي سيارات النقل "هذه هي المرة الثالثة التي أحضر فيها لأنتظر في المحطة، وفي كل مرة أجلس هنا يومين متتاليين وأعود إلى البيت دون فائدة.

ويضيف في حديثه إلى "الوطن": وهذه المرة قال لنا صاحب المحطة إن هذه آخر دفعة من البترول سيبيعها للمواطنين، بسبب رفض شركة النفط تسليمه حصة المحطة المعروفة، وإنه عقب انتهائه من بيعها سيغلق أبوب المحطة تماما، حسب قوله.

ويشكو بألم بالغ، ظروفه المادية بسبب الأزمة الخانقة في الوقود، ويقول: "فقدت مصدر رزقي الوحيد، وهو العمل على سيارة الأجرة، ونحن نعاني هذا الوضع السيئ بينما تمتلئ خزانات وقود الأطقم التي تحمل المسلحين وتجوب الشوارع والمدن على مدار الساعة"، في إشارة منه إلى أطقم الحوثيين وقوات صالح.

وفي محافظة الحديدة، غربي اليمن، أكدت مصادر محلية لـ"الوطن" وجود محطات بترول خارج المدينة يمنع منها المواطنون، وخصص مخزونها لأطقم وعربات الحوثيين وقوات صالح فقط، إذ يسلم سائق المركبة كرتا لمالكي تلك المحطات، كإثبات بتبعيته وموالاته لقوات الانقلابيين، ويستلم مقابله كمية من الوقود.