المعلمون والمعلمات هم الركيزة الأساسية للتعليم. فالمعلم المتميز يستطيع أن يسدد ثغرات المنهج والتقنية وطريقة التعليم ويحل المشكلات الدراسية والاجتماعية والنفسية والصحية لطلابه باستخدام طرق عديدة، ومشاركة من يحتاج إليه في علاج تلك المشكلات. وبالمقابل فإن المعلم في الجانب الآخر يدمِّر كل تطوير في المنهج والتقنية والطريقة ويفاقم مشكلات طلابه.
مشكلتنا الأساسية أن لدينا في هذا الجانب نوعين من المعلمين: نوع "لا يستطيع" تطوير نفسه ونوع "لا يريد" تطوير نفسه، وكلا النوعين شر ووبال على التعليم، والكارثة أننا لا نستطيع التخلص من هذين النوعين بسبب النظام. والشاهد على ذلك أن لدينا 500 ألف معلم تقريبا، والنظام يقول إن من يحصل على تقدير غير مرض يتم إخراجه من التعليم بتحويله إلى إداري. وفي تاريخ التعليم لم يحصل معلم من هؤلاء الـ500 ألف معلم على تقرير غير مرض!! واسألوا إدارات التعليم والإشراف التربوي المسؤول عن تقييم المعلمين عن الأسباب. وفي التقويم الشامل المعني بتقييم التعليم في الوزارة ذاتها حصلت مدارس على تقادير متدنية، واسألوا عن الإجراءات التي تم اتخاذها بشأنها. فمن قواعد التقويم الشامل للمدرسة نشر تقارير المدارس وعمل خطط عمل لتطويرها. والمعلم المتميز يبقى حجر الزاوية في التعليم، فالمعلمون يحملون رسالة الأنبياء.
يكفي المعلم شرف هذه المهنة، وأنه يستثمر وقته وجهده في تدريس الطلاب بالرغم من توفر فرص أخرى له أقل جهدا وفيها راحة أكثر ودخل أكبر وظروف عمل أفضل واحترام أجَلّ من قبل فئات المجتمع. وأنه يتعرض لاختبارات أكثر لقياس قدراته بالرغم من إكماله سنوات الدراسة الجامعية بما فيها من اختبارات وجهد، وسهر وعمل. لأنه يستمر في البحث عن المهارات العالية المستوى لتدريس طلابه وتدريس المحتوى الأكثر حداثة كل عام، وما يتطلبه ذلك المحتوى من تطوير بعد تطوير وما يتوقف على ذلك من متطلبات يقوم بها بنفس راضية، ودون طلب وقت إضافي لتدريسها، ولأنه يستيقظ الخامسة أو السادسة صباحا كل يوم للذهاب إلى غرفة تتطلب جهدا كبيرا وعناية فائقة وفكرا عاليا، وقد لا تكون ظروف الإضاءة والتكييف والتأثيث والتهوية بالمستوى المطلوب والمريح.. ولأنه يضطر كل يوم لتناول بعض الوجبات الملفوفة بالورق على كراسي متواضعة، ويجد في أدوات تجهيز الأكل والشرب المتواضعة متعة ومعاملة جيدة وبذخا.. ولأنه يصرف الوقت الطويل خارج مكان العمل في تصحيح أوراق طلابه وتقييم مستوياتهم، وتحضير دروسه وحضوره المؤتمرات والدورات التدريبية واجتماعات اللجان، واجتماعات التطوير والتغيير، ومجالس الآباء والمعلمين ومؤتمرات الآباء الخاصة بتطوير أبنائهم وبناتهم واجتماعات مجلس إدارة مدرسته واجتماعات التطوير المستمر. وكل ذلك خارج وقت عمله! ولأنه يعمل لساعات كثيرة لا تُعد ولا تحصى دون بدل خارج دوام، لشعوره أن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنجاز عمله، ولعدم قدرته على تحمل الإخفاق. ولأنه لم يذكّر الناس بشكل مستمر أنه لن يترك العمل والاجتهاد فيه وتحقيق الإنجاز إذا لم يدفع له بدل خارج دوام نظير ما يقوم به من أعمال وإعداد ليومه المدرسي.
شكرا له لاحترام طلابه الدائم، خصوصا الذين لا يعرفون كيف يقدرون هذا الاحترام، ولا يدركون قيمة الهدايا الدائمة القيمة "تعليمهم وتنمية فكرهم" التي يقدمها لهم. ولأنه يهتم بطلاب لا تهتم بهم عائلاتهم، ولأنه يقوم بشراء الأقلام والأدوات التدريسية والملابس لمساعدة طلابه وحرصه على ظهورهم بالمظهر المناسب وأداء عمله بالمستوى المطلوب وذلك من ماله الخاص! ولأن النوم يهرب من عيونه ليالي طويلة قلقا على نوع من الطلاب يجاهدون أنفسهم في سبيل التعلم، يفكر في كيفية مساعدتهم، خائفا عليهم مما يعترض طريقهم في المستقبل من صعوبات الحياة ومشكلاتها، محاولا إيجاد الطرق والأساليب التي تكفل لهم تخطيها. ولأنه اقتحم أماكن حفظ ملابس أبنائه وبناته للبحث فيها عن حذاء أو ملبس لطفل أو لطالب في المدرسة يفتقر إليها، ولأنه علَّق احتياجات عائلته - وبعضها ضروري - لصرف الوقت مع عائلة ابن يعاني أو ابنة تعاني صعوبات التعلم، محاولا إيجاد السبيل لحل مشكلات تعلمهما. ولأنه مؤمن بقوة التعليم في إحداث التغيير في الحياة. ولأنه حافظ على قناعاته بأن كل الطلاب يستطيعون التعلم إذا استطاع هو أن يعلمهم. ولأنه تحمَّل التعايش مع آلام الظهر ومع صرير الركب ومع السيقان المتعبة والأقدام المتورمة التي تلازم مجال التدريس الذي يعمل فيه. ولأنه شحن الأطفال اليائسين بالأمل الكافي ليستمروا في الكفاح ضد الفقر والسلوك المنحرف والممارسات اللاأخلاقية بأنواعها التي تشكل الحياة اليومية لكثير من الصغار الذين هم في أمس الحاجة لرعايته ومتابعته ونصحه ونجاحه في إنقاذهم وتخليصهم والعبور بهم إلى مصاف الناجحين الآمنين المستقيمين. ولأنه يعمل بكل ما يستطيع أن يغدق "لمسة حنان" على كل طفل أو طفلة أشد ما يكونا حاجة لها.. فقداها بسبب القدر، أو أسباب دنيوية أخرى، كان لها الأثر الأكبر في نجاحهما وتفوقهما وإنقاذهما من الغرق في بحر الكآبة واليأس. ولأنه قام بالعد إلى مليون وهو يستمع إلى ولي أمر يسرد له الأسباب في أن عدم قدرته وقلة إمكاناته وعدم بذله الجهد الكافي هي أسباب سوء سلوك ابنه أو ابنته، وقلة أدبه، وسوء تحصيله، وفشله.
وأخيرا لأنه يعمل في واحدة من أكثر الوظائف تحديا وإرباكا وتثبيطا وإجهادا ذهنيا ونفسيا وعاطفيا، ولكنها أيضا واحدة من أكثر الوظائف التي تبعث الرضا عن النفس والإحساس بإنجاز الأمانة. هؤلاء هم المعلمون الذين يعدون ركيزة التعليم، ونقول لهؤلاء فقط: شكرا لكم، أنتم الأبطال الذين لا غنى للوطن عنكم. لكم كل التقدير والاحترام والشكر والامتنان.