عرض الإعلامي داود الشريان في برنامجه الثامنة حلقة عن منع النساء من دخول بعض الأماكن كالمطاعم وشركات الاتصالات وبعض الدوائر الحكومية أو التضييق عليهن بعد دخولها، وكان الوضع مخجلا لكل من سمعه، خاصة وأنه يصل إلى كل دول العالم، ولا يمكن أن نجعل مثل هذه التصرفات تصرفات فردية أو أخطاء إدارية لمسؤولين أو تعنت موظفين أو بيروقراطية أو أي من الأسباب المعتادة في الإدارة أو العمل، وإنما ينتج هذا الوضع المهين للمرأة بسبب مزيج من العادات والتقاليد والأحكام الفقهية التي تخرج من بعض رجال الدين في بلدنا وليس من إرهابيين أو جهال أو مجتهدين في هيئة الأمر بالمعروف، وإنما الفتاوى السائدة عندنا تصب في إيجاد هذه التصرفات وإن لم يرض من أفتى بها عنها، ولو قلت لواعظ أو داعية أنك السبب في هذا لاستشاط غضبا ولبادرك بسؤال سريع وهو: هل صدرت مني فتوى تقول لحارس الأمن لا تُدخل المرأة إلى هذا المكان؟ أو هل أصدرت فتوى بتحريم دخولها للمطعم؟!

والحق يقال إنه لم يصدر فتوى بهذا وإنما أصدر فتوى بما هو أسوأ من هذا، إذ لو كانت الفتوى مباشرة لاستخف الناس بها ولكن الفتاوى تصور المرأة على أن مكانها الأصلي في المنزل ولا تخرج إلا للضرورة أو الحاجة، والضرورة في التصور الذهني هي العلاج أو شراء السلع الضرورية، وأنها مستهدفة وإن خرجت تناوشتها الذئاب البشرية، وأن الرجل هو من يقوم بها وهو مسؤول عنها وأنها فتنة وعورة... إلخ، وإذا كانت الفتاوى تصدر أو كان الخطاب الديني بشكل عام يصدر بهذه الطريقة فكيف نريد في المقابل من الناس أن يتقبلوا وجودها خارج المنزل على مستوى الملايين منهن؟!

فالفرد البسيط كحارس الأمن أو صاحب المطعم أو الموظف يتلقى هذه الفتاوى بشكل شعوري أو لا شعوري ليرسخ في ذهنه أن المرأة أخطأت حينما خرجت وتستحق العقاب وليس فقط سوء التعامل، وأكرر أن هذا قد يكون على مستوى اللاشعور لديه، أي تصرفات إيحائية، ولذا يتم التعامل معها بغلظة وفوقية كما قالت إحدى المشاركات في البرنامج، أو لا يهيأ لها المكان المناسب، أو يراها آخر أنها منحرفة تتظاهر بقضاء حاجتها فيستغلها أو يتحرش بها لأنها خرقت القانون الاجتماعي في نظره!

لو أن الخطاب الديني والفتاوى تتجه إلى أنه من حق المرأة الخروج في أي ظرف ولأي سبب، وأن دخولها معترك الحياة -ولو كان خارج المنزل- هو الأصل وليس الاستثناء، لتشرب الناس ثقافة جديدة تقتنع بوجودها في أي مكان، ولقلت التحرشات، ولأثرت على المسؤول في سن الأنظمة ولزالت تلك التصرفات التي تمنعها من الدخول لأي مكان، بدليل أن هذه التصرفات وهذا المنع يقل في المطارات والمستشفيات، لأنه لا توجد ثقافة متوجهة ضد سفر المرأة وضد علاجها، بل إن الأماكن التي تخصص لهن في هذه المرافق أنظف من الأماكن التي لا تدعمها ثقافة تبرر وجودها، وهذا ليس صدفة، مع أن التركيز حتى من قبل الحقوقيين على ضرورة إيجاد أماكن لائقة للنساء -وإن كان جيدا في ظاهره- إلا أنه يمعن في الفصل الحاد بين الجنسين المرفوض عقلا وشرعا، ولا يمكن تنفيذه مع وجود الملايين من كل من الجنسين في الأماكن العامة وتداخل الوظائف والمهام.