لفتت نظري خلال الأيام الماضية حملات وحفلات اللوم والتقريع والتأنيب التي كانت موجهة بشكل مباشر للسيئ "حسن نصر الله" وذلك بسبب الخطب الشتائمية التي صار يلقيها على شعب الله المحتار في الضاحية الجنوبية ويتطاول فيها على هذه البلاد.
الغريب هنا هو الاستنكار الذي طال نصر الله من قبل كتابنا وسدنة إعلامنا، وكأن نصر الله قد تغير أو تحول من حال التأييد إلى حال التنديد.
ومكمن غرابتي هو أن نصر الله لم يأت بجديد ولم يقترف سلوكا غريبا أو مغايرا لنهجه الذي كان مناوئا للمملكة منذ أن انتدبته "قم" ليدير لبنان وأهلها المغلوب على أمرهم من خاصرة بيروت الجنوبية ومن أحد أقبيتها، حيث يندس هذا المندوب الفارسي تحت الأرض ويرفع شعارات الممانعة والمقاومة والموت لأميركا والموت لإسرائيل.
لقد أدرك القادة الإيرانيون أن العرب أمة عاطفية ولديها قدر وفير من حسن النية والطوية التي تجعل معظمهم ينقادون – بفعل العاطفة - بسهولة على نحو جعل من السهل لكل رجل "مارق" ولكل قائد "طارئ" ولكل "زعيم" انتهازي ولكل "انقلابي" عسكري القدرة على اجتذاب هذه الأفواج البشرية العربية "الساذجة" بمجرد رفع شعارات كاذبة من نوع الموت لأميركا وللشيطان الأكبر وللإمبريالية والرجعية، وبمجرد رفع قميص "فلسطين" والتهويش به.
فعل ذلك "الزعيم" عبدالناصر، وهو الذي شهد عهده أكبر هزائم الأمة العربية.
وفعل ذلك مقتفيا أثره "القائد الملهم" القذافي، وهو الذي ذهب لتحرير فلسطين من خلال حروبه في تشاد وإسهالاته الكلامية في القمم العربية.
وفعل ذلك الأسد وذريته وهم الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة على العدو، وبقيت إسرائيل آمنة في هضبة الجولان السورية لخمسة عقود، وفعل ذلك كثير من الفلسطينيين مثل أبو نضال وحبش وأبو موسى وغيرهم من الذين توزعت ولاءاتهم وارتهنت شعاراتهم بحسب توجيهات القذافي أو صدام أو الأسد.
وفعل ذلك وما زال العبد لخامنئي وأعني حسن نصر الله الذي تتكسب من خلاله إيران ويتوسع حضورها المادي على الأرض العربية وحضورها المعنوي في قلوب وأذهان كثير من "الغلابة" العرب الذين تجرهم كلمة وتردهم أخرى، والذين تقودهم الخطب الكلامية وتستلب عقولهم الشعارات الكاذبة.
ورغم تكرار العزف المتوالي على وتر القضية الفلسطينية ورغم توالي الخسائر في هذا الملف ورغم بقاء قميص القضية كما كان دون أي تقدم إلا أن شعار الممانعة والمقاومة ما زال يلقى صداه لدى الجماهير العربية.
ومن هنا فقد استمرأت إيران هذا الفعل بعد أن وجدت أثره ما زال فاعلا، وهكذا صرنا نراه شعارا مرتفعا في اليمن التعيس والذي صار حوثيوه يرفعون في الميادين التي يساقون إليها مخدرين شعار الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.
إنك لتحزن وأنت ترى هيئة المواطن اليمني وهو يجتر بين فكيه مضغة القات، وهو على حالة مظهرية من اللباس البسيط الذي ينبئ عن حالة اقتصادية مزرية، ولكنه مع ذلك كله لا ينصرف إلى البناء والتنمية داخل بلاده ووسط أهله ولا يستطيع وهو على هذه الحالة من الغيبوبة أن يُحَسِّنَ وضعه الاقتصادي والمعيشي، لأنه مختطف بهذا المخدر الذي صار قوته اليومي، وقد أضاف إليه مؤخرا الرغبة في تحرير فلسطين قبل أن يحرر نفسه من سطوة القات المخدر وهذه السيطرة الفارسية الحوثية.
إن العالم العربي في معظمه يعيش حالة من الخدر الذي يتسلل إلى النفوس منذ أن كرس زعماء الغفلة العرب رفع الشعارات العاطفية الكاذبة، ومنذ أن صار قميص فلسطين حجة ترفع في سوق المزايدة.
أخيرا وعلى خلاف الذين ساءتهم خطب السيئ نصر الله الشتائمية في حق المملكة فإنني سعيد بها لأنني من خلالها أدركت حجم الخسارة والفقد والحسرة وحجم المفاجأة التي تسببت فيها عاصفة الحزم، والتي قادت قادتهم إلى هذا التخبط واللغو الكلامي الذي يعبر ويؤكد أن حجم الصراخ يأتي متناسبا مع حجم الألم والحمد لله.