ينتظر أن يصدر ملتقى "الهوية والأدب" الذي افتتحه أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد أول من أمس، توصياته اليوم في ختام جلساته العلمية التي شهدت سجالات وتباينات وتوافقات، بين الباحثين الذين شكل الأكاديميون، وأساتذة الجامعات حوالي 90% منهم.

وكانت الجلسة الثانية من جلسات الملتقى تميزت أمس بطغيان "عاطفة العروبة والإسلام" على بعض الأوراق. الجلسة التي أدارها  الدكتور حسن النعمي شارك فيها أسعد الرفاعي بورقة "الهوية واللغة، هوية إسلامية، أم عربية؟" تحدث فيها عن التلازم بين العربية والإسلام، وأشار إلى أن العربية انتشرت مع الإسلام بكونها لغة العبادة والصلاة والفكر والتعاملات وأصبحت كرمز للإسلام الذي ساعد بدوره في رقيها وتطويرها وتعزيزها. وأشار الباحث إلى أن بعض الدراسات ترى أن لغة القرآن جاءت مستقلة عن العربية الجاهلية، إذ إنها نزلت من اللوح المحفوظ، وهو كلام الله وصفة من صفاته، لذا يقال إنه "كلام القرآن" وليس ألفاظ القرآن، واستشهد بذلك ببعض الشروحات والمقولات لمختلف الباحثين، مؤكدا أن اللغة والدين أمران متداخلان بشكل غير قابل للفصل. ثم شرحت  الدكتورة حنان أبو لبدة عبر ورقتها "مكونات الهوية"، الأصل اللغوي لمفهوم الهوية، واعتبارها مميزة للفرد أو الجماعة، ولافتة النظر لعناصر الهوية كاللغة والدين والتاريخ والقيم الاجتماعية المكتسبة وغيرها. وتحدثت بالتفصيل عن هذه العناصر، مؤكدة أن الدين الإسلامي أوضح كثيرا من التعاملات كالنظام الاقتصادي والمالي، والعقوبات عادةً أن التدين ليس مجرد أداء للشعائر، بل سلوك يظهر على الفرد. تطرقت الباحثة بعد ذلك إلى التأكيد على أن المسلمين في الوقت الراهن يواجهون كثيرا من التحديات، خاصة في محاولات تشويه الدين الإسلامي وعليه يجب التصدي لهذه المحاولات والحرص على البحث في القضايا الفقهية الجديدة. وختمت بحثها باستعراض المكونات الأخرى كالتاريخ والمجتمع والمكان وبتوصيات عدة أهمها استلهام المكونات السابقة لتوحيد المناهج العربية والاستفادة من الخبرات والكفاءات التي تعمل في الوطن العربي.

وفي ورقته "تعددية الأصوات النسائية ومركزية الهوية النسوية" طرح الدكتور حسين المناصرة إشكال الأصوات والحالات النسائية في الرواية السعودية قائلا: إنها تُفضي إلى صوت أحادي تُعبّر عن هوية نسوية جمعية، تشكلت في سياق منظومة اجتماعية/ ثقافية ذكورية مهيمنة. عادّاً أن الكتابة النسوية ذات بنية نسقية أو نمطية في منظورها إلى واقع المرأة بصفته واقعا مستلبا أو ذا هوية مهمّشة، خاصة في تعبير هذه الكتابة عن قضايا المرأة وإشكال رؤيتها للأسرة والمجتمع. استشهد الباحث بأربع روايات سعودية ("الأرجوحة" لبدرية البشر، و"بنات الرياض" لرجاء الصانع، و"البحريات" لأميمة الخميس، و"وجهة البوصلة" لنورة الغامدي)،  باعتبارها نموذجا للحديث عن تعددية الأصوات النسائية ومركزية الهوية النسائية التي تشكل نسقا تاريخيا ثقافيا، تظهر جليا فيه الهيمنة الذكورية على النساء التي انعكست على الكتابة النسوية العربية والسعودية خاصة، مؤكدا أنه بالرغم من تعددية النساء في هذه الروايات التي بدت شكلية في سياق أحادية المعاناة، وتفشي الاضطهاد وهيمنة الاستلاب في منظومة مجتمع ذكوري هيمنت فيه عادات وتقاليد غير واعية وعمى ثقافي وحضاري وإنساني في عموم السرد النسائي!

وجاءت الورقة الأخيرة في هذه الجلسة للدكتور محمد الكحلاوي بعنوان: "الهوية والتقدم: المفهوم وسياقات العلاقة". وقامت هذه الورقة على مجموعة التساؤلات مثل: كيف نقارب مفهوم الهوية؟ وما دلالة هذا المصطلح من الوجهة اللغوية المنطقية والفلسفة الحضارية؟ وكيف يمكن النظر لطبقات معنى مصطلح الهوية وتكوينه تاريخيا؟ وهل هناك هوية جوهرية أم هناك هويات متعددة؟ مؤكدا أن الهوية ليست مفهوما ثابتا عبر التاريخ وليست نموذجا جاهزا يستخدم في التعريف بالذات وحسب. كما أشار الباحث إلى أن الهوية لا تتضح إلا من خلال الآخر، مستشهدا بمقولة هيقل: "الآخر صورة من الأنا"، لذا لا يمكن إدراك الذات إلا من خلال الآخر، ولا يمكن إعادة إنتاج الذات إلا من خلال الآخر. ثم ذكر أن الهوية مركزية في كل حضارة ويتجلى من خلال اللغة بالمقام الأول باعتبارها وعاء تتشكل فيه كيانها وفنونها، وأن صدمة الحداثة أوجدت لدى العرب الرغبة في التغيير والتجديد ليس في اللغة فقط.

بدأت بعد ذلك مداخلات الحضور التي كان من أبرزها تساؤل الدكتور عاصم بني عامر، هل المسيحي العربي أو اليهودي العربي ينتمي للهوية العربية؟ والأميركي الذي يتحدث الإسبانية لا يحمل هوية أميركية؟ في تعريض للمبحث الذي ربط بين الإسلام والهوية العربية، وكذلك تساؤل آخر وجه إلى الدكتور حسين المناصرة حول صورة المرأة في الرواية الذكورية، هل هي بالصورة نفسها كما في الرواية النسائية؟ وكانت إجابة الدكتور المناصرة أن الكتابة الذكورية تختلف مدى انحيازها للمرأة حسب موقعها مع تأكيده مجددا أن صورة الرجل يطالها كثير من التشويه في السرد النسائي.