أعلم أن الكثير غيري تحدث عن خطورة شبكات التواصل من قبل، وأتوقع أيضا أن الكثير سوف يتعرض للموضوع من بعدي، إن الشبكة العنكبوتية عالم ديناميكي في تغير مستمر في كل لحظة بل في كل جزء من الثانية، والمشاكل التي تظهر على السطح، كلما قرأنا عن الموضوع، في ازدياد مستمر، لا نستطيع أن نتغاضى عنها أو نتركها لأن هنالك مشاكل وقضايا أهم بالنسبة لنا، في اعتقادي ليس هنالك أهم من عقول وأرواح ونفسيات أبنائنا، من يرضى أن يُقذف ابنه بالقاذورات على شكل كلمات أو صور أو أفكار هدامة؟ من يرضى أن تحطم نفسية فلذة كبده من خلال التعرض للخرافات والإشاعات وهو معتقد أنها حقائق؟ من يستطيع أن يترك مجهولا يقوم على تحويل ابنه من حمل لطيف إلى وحش كاسر؟! ولكننا نفعل ذلك تماما حين نترك أبناءنا يبحرون في صفحات الشبكة العنكبوتية ويدخلون مواقع التواصل الاجتماعي دون الإعداد والتدريب المسبق على هذه المهارة!

عند الكتابة على صفحات التواصل الاجتماعي ما يسبب لي الكثير من المضايقة وأحيانا الإحراج هو ذاك البرنامج الذي يسمى المدقق اللغوي، لقد عانيت كثيرا إلى أن وصل الأمر بي إلى أن أطلب المساعدة كي أتخلص منه وألغيه، ولكن اكتشفت أنه حينما ألغيه في لغة تتأثر الثانية، وأحيانا الفرد منا لا يريد أن يتوقف ويذهب إلى القاموس في كل مرة للتأكد من كتابة كلمة، خاصة وإن كان على عجلة والأمر يحتاج إلى الرد الفوري، وفي حالتي إن لم أفعل ذلك في حينه نسيت الأمر برمته، إلى هنا والأمر طبيعي فأنا، أحيانا أتنبه للخطأ وأعود وأصحح وأحيانا لا أتنبه، حسنا هذا في حالة الكتابة، ولكن ماذا عن الحالات الأخرى؟ حين تبدأ بكتابة حرف ويكمل لك الباحث فتظهر لك كلمات أخرى مشابهة في الأحرف الأولى، مثلا بعد إشارة الوسم "الهاشتاق"، أو حينما تكون تبحث عن أسماء وتظهر لك تعبيرات يتخفى خلفها شياطين متمرسون في صيد البشر خاصة السُذّج والجهلة أو الغافلين غير المدربين على التفرقة بين هذا وذاك، إذاً الخطورة هنا ليست في تصحيح إملائي بل في أن تظهر لك كلمات لمعلومات تدخل في خانة التضليل؛ ديني أو أخلاقي أو علمي أو حتى سياسي!

 بالنسبة لي على الأقل أستطيع أن أقول إنني قد وصلت إلى درجة من التحليل والتدقيق في أي معلومة تظهر لي على شاشة الجهاز الذي استخدمه، وإن وجدت ما يعارض مبادئي وأخلاقياتي أغلقه وأنتقل إلى الذي بعده خلال البحث، إضافة إلى أنني وصلت لدرجة من التمكن بحيث أعرف الفرق بين المواقع التي يعتمد عليها ونستطيع أن نجد فيها المعلومات الموثقة والمواقع التي تنشر السم في العسل، كما يقال، الفكرة هنا هذه أنا وأنت عزيزي القارئ وغيرنا الكثير، ولكن ماذا عن أبنائنا في مرحلة الطفولة المتأخرة أو المراهقة أو حتى بداية مرحلة الشباب؟!

لا نستطيع أن نعتمد على الدراسات الأجنبية في تعريف مخاطر شبكات التواصل الاجتماعي أو غيرها من المواقع التي عادة ما يدخلها أبناؤنا وعلى شكل يومي، لأنه بكل بساطة طرق التعليم والتدريب إضافة إلى نسيج الخلفيات المجتمعية لأبنائهم مختلفة عما لدينا، لا أتحدث هنا عن اختلاف شاسع ولكنه يبقى اختلافا يجب أخذه بالحسبان بالنسبة للقضايا التي تمس الشباب عندنا، فمثلا عندهم الغالبية يدخل بأسماء حقيقية ويضع معلومات شخصية كثيرة حذر منها الكثير من التربويين وأختصاصيي الجرائم الإلكترونية، لكن عندنا الكثير يدخلون بأسماء مستعارة ويضعون كل شيء إلا الحقيقة عن شخصياتهم، عندهم يعانون من التنمر على شبكات التواصل وعندنا نشتكي من التنمر في المدارس، عندهم يدربوهم في المدارس على كيفية الاستخدام الآمن للشبكة العنكبوتية بكل محتوياتها بل إنهم يتدربون على استخدامها في المشاريع والواجبات الدراسية، ورغم كل ذلك ما زالوا يعانون من الاختراقات لأمنهم الجسدي والفكري والروحي والأخلاقي! أما عندنا يُتَركون ليتعلموها من بعضهم البعض، أي كل شيء "ماشي بالبركة"! أما بالنسبة لاستخدام الشبكة العنكبوتية في الدراسة، رغم أنها بدأت ولكن ليس على نطاق واسع بحيث نستطيع أن نقول إن التدريب والتأهيل قد وصل الجميع، إذاً علينا أن نعتمد على دراسات محلية نخرج بها بتوصيات على كيفية التعامل مع هذه المشكلة لحماية أبنائنا من الوقوع في شرك من لا يخاف الله فيهم.

كيف نستطيع أن نتصرف نحن كأولياء أمور لحماية أبنائنا ولا ننتظر المدارس إلى أن تقوم بذلك؟ رغم أن هذا لا يخلي مسؤوليتنا من المطالبة ببرامج تدريبية تؤسس أرضية صلبة بحيث ينطلق أبناؤنا منها إلى الفضاء الافتراضي وهم قادرون على التفرقة بين الثمين والغث. أولا التأسيس الديني والأخلاقي القوي، ثانيا البدء بالمتابعة مع أول خبرة لهم في العالم الافتراضي من خلال الإرشاد والتوجيه، نريد أن نعلمهم المسؤولية لا أن نضيق عليهم الخناق فيخرجون من تحت أجنحتنا ويقعون تحت مخالب الآخرون، ولنفتح الحوار معهم ونناقش بكل شفافية ودون تشنج كل ما يعرضونه علينا، ولتكن توجيهاتنا واضحة تبتعد عن التشويش أو الاستبداد والدكتاتورية، لنتعامل معهم بثقة ولنشاركهم بوضع القوانين والحدود للاستخدام السليم والآمن، وقبل كل هذا لنقرأ كثيرا عن الموضوع فكلما قرأنا أكثر كلما استطعنا أن نتعرف على كيفية حماية أغلى ما نملك، إنهم أبناؤنا وهم يستحقون منا هذا العناء، إن لم نقم بذلك نكن كمن يقدم لابنه مسدسا برصاصة يصوبه إلى رأسه ليكبس الزناد وهو وحظه، قد تنطلق الرصاصة وقد لا تنطلق، ولكن الأمر المؤكد هو أنها في النهاية مع الاستمرار في اللعبة نفس سوف تنطلق، فالرأس واحدة والمسدس واحد!