تناولنا في الجزء الأول من المقال دور الكاتب المصري الشهير حسنين هيكل وننتقل إلى ظله، وهو أيضا من "العيار الثقيل" وأقصد فهمي هويدي الذي ارتبط بإيران مبكرا بتزكية هيكل، وكانت بداية تواصله مع المشروع الفارسي في الكويت التي عاش فيها منذ 1976 حتى 1982، إذ كان يعمل في مجلة "العربي" وعقب اندلاع "ثورة الخميني" سافر إلى طهران، وبعدها تعددت زياراته لإيران حتى استقبله رئيسها السابق المتطرف محمود أحمدي نجاد، وهذه أرفع مقابلة من نوعها لهويدي مع مسؤولين إيرانيين خلال زياراته المتكررة لطهران في سياق علاقاته الوثيقة بكبار المسؤولين الفرس، وحينها وصفت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية هويدي بأنه "يعد أحد أبرز المُنظرين المدافعين بشراسة عن مواقف ما وصفته بالنظام الإسلامي في إيران، لكن ما لم تذكره وكالة الأنباء التابعة لوزارة الاستخبارات والأمن القومي المعروفة باسم "اطلاعات" أن هويدي يتجاهل ويبرر الممارسات الفاشية للنظام الثيوقراطي المستبد.
كان ذلك على هامش مؤتمر "الإمام الخميني والسياسة الخارجية" الذي عقد في طهران أكد هويدي أن إيران ترى انحيازها إلى النظام السوري أهم إنجازاتها منذ "ثورة الخميني" عام 1979 موضحا أن التي تُدير المعارك الآن إيران وليس الجيش السوري، وأوضح أنه لا يمكن قبول استمرار الوضع في سورية، فهناك ما يقرب من مئة ألف مواطن قتلوا، كما أنه لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة في ظل وجود بشار الأسد، وبهذا فإن استمرار النظام مستحيل، لكن سقوطه يمثل مشكلة كبرى.
في عام 1987 أصدر هويدي كتابه الشهير "إيران من الداخل" استمات فيه دفاعا عن الخميني واتهامه لأبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، بالردة والكفر في كتابه "كشف الأسرار" وعد هويدي هذا الاتهام للصدّيق والفاروق "مجرد نقد" وحاول تخفيف وطأة هرطقة الخميني: "رغم المكانة السامقة التي بلغها الخلفاء الراشدون، لكن أحدا لم يقل بعصمة أحدهم وتظل ممارستهم مُعرضة للصواب والخطأ" (إيران من الداخل، ط2، ص332).
وسعى هويدي إلى استغلال الأزهر كبوابة لتسلل "التشيع السياسي الفارسي" وفي 15 يونيو 2011 نشرت "وكالة أنباء التقريب" تقريرا حول لقاء أحمد الطيب شيخ الأزهر وهويدي الذي صرح عقب الاجتماع أنهما بحثا سبل تواصل كل التيارات الإسلامية داخليا وخارجيا لعودة الأزهر إلى ريادته العالمية، إذ يرغب العالم الإسلامي داخليا وخارجيا إلى التواصل مع الأزهر، كما تناولا أهمية تفعيل التقريب بين المذاهب الإسلامية لإنهاء التنابذ الذي يمثل وسيلة للتدخل الخارجي في الشأن الإسلامي بإشعال الفتن بين السنة والشيعة"، وتجدر الإشارة إلى أن هويدي ومعظم رجال إيران في مصر ينتمون إلى التيارين القومي والناصري، فليسوا معنيين بالخلافات المذهبية، ولكن بتمهيد الطريق للتمدد "القومي الفارسي" الذي يدعم حركات الإخوان والجهاد وحماس السُنّية.
رغم شيوع الاعتقاد بتصنيفه قوميا، لكن حروفه تكاد تصرخ بانتمائه لعصبة البنا، و"العشيرة القطبية"، خاصة أنه ابن أسرة إخوانية، ووفقا لأرشيف أجهزة الأمن، فإن والده اشتهر بانتمائه إلى الإخوان وجرى اعتقاله مرات في عهود مضت، وخلال مقابلة أجرتها معه فضائية (BBC العربية) علق هويدي على سؤال عما إذا كان منتميا إلى الإخوان بقوله: "إنه يحترف الصحافة منذ 55 عاما، ولم يطرح عليه هذا السؤال إلا خلال السنوات الأربع الأخيرة، مفسرا ذلك بتعمق الاستقطاب وتقسيم المجتمع إلى فريقين، واتهم الإعلام المصري والعربي بشحن الأجواء بطريقة باعدت بينها وبين إجراء مصالحة حقيقية" حسب تعبيره.
لم يتوقف الأمر عند هويدي، بل امتد إلى شخصيات أخرى مؤثرة، ففي 2014 زار وفد مصري إيران ضم شخصيات من القوميين والناصريين، ورفضت الخارجية المصرية إسباغ أي صفة رسمية للزيارة، وهو ما أكده بعضهم مثل جمال زهران وطارق الخولي وصلاح الدين دسوقي والناشط القبطي جمال أسعد، ومحمد السعيد إدريس وحسام عيسى وفاروق العشري والإخواني المنشق أبوالعلا ماضي وبعض الشباب المتشيع ممن يسمون "شباب الثورة"، وكان أبرزهم شاب يُدعى هيثم عبدالنبي الذي كان يدرس في إيران وغيرهم، إضافة إلى يحيى غدّار اللبناني الذي يلعب دور "ضابط الاتصال" بين هذا الكيان وإيران ونظام بشّار وحزب الله.
وأثناء تلك الزيارة التقى هؤلاء بعدد كبير من أبرز القادة السياسيين، وفي مقدمتهم علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، وعلي أكبر ولاياتي المستشار السياسي للمرشد الأعلى خامنئي، ومحسن آراكي الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب وهادي سليمان بور مساعد وزير الخارجية لشؤون البحوث والدراسات رئيس معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية، وحسين أمير عبداللهيان مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والإسلامية.
وسبق لهؤلاء زيارة سورية ومقابلة بشار لدعمه، وتعددت زياراتهم لحزب حسن نصرالله تحت مظلة ما يسمى "التجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة" الذي تأسس في 5 يوليو 2011 بدمشق ثم لبنان، وأخيرا القاهرة كنواة لكيان يرتبط بإيران عبر بوابتي النظام السوري و"حزب الله"، وسبق لهؤلاء مرافقة الرئيس الإخواني محمد مرسي خلال زيارته إيران، وشاركوا الإخوان وأنصارهم في ترسيخ نظرية خميني "التشيع السياسي"، وأعلنوا أن تحالفهم يعمل للتصدي لتركيا، مستغلين علاقاتها القلقة بمصر، لكن الحقيقة أنهم يسعون إلى الإساءة للتحالف المصري ـ السعودي ـ الخليجي، وتحريض المصريين ضده بالإشاعات والمقالات لزعزعة العلاقات بين مصر وحلفائها، وتصويرها كأنها علاقة تبعية وتسفيه دور الجيش المصري ومشاركته في تحالف معركة "عاصفة الحزم"، مستغلين نفوذهم بكثير من الصحف والفضائيات المصرية الخاصة ذات الأجندات التي يكتنفها الغموض.