سبق أن أشرت إلى بعض خصائص المنافق في مقال نشر منذ حوالي أربعة أعوام، وهو الوصف الذي أجده ينطبق على شخصية الرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح"، فكان مما قلت: "إن المنافق كالثعبان يغير جلده حسب المواسم وحسب الأحداث، فاليوم قد يصفق لك وغدا قد يهدر دمك ومالك، فهو حليف مصلحته الآنية، والمصلحة هي المحرك الأساسي لأفكاره وأطرافه، فصديق اليوم قد يكون عدو الغد، وعدو اليوم قد يتحول إلى حليف الغد، وقد يكون اليوم باشا مقبلا وفي الغد مدبرا منفرا، فإذا رأى الطوفان قال: حولي ولا عليّ، حوالينا ولا علينا، أمثال هؤلاء لا يبيعون أوطانهم بل يبيعون عشيرتهم وأقرب الأقرباء لهم، هؤلاء لا يشعرون بانتماء إلا لمصالحهم ولا مانع عندهم لو أضروا الأبرياء ولو غدروا بهم، طريقهم ملوث بالخداع أو الغباء والسفاهة، يعتقدون أنهم قادرون على تحويل الحق إلى باطل والباطل إلى حق".
كل ما جاء في المقال ينطبق تماما على هذا الشخص، فقد كان رئيس دولة وبقي على رأسها لأكثر من ثلاثة عقود واستطاع أن يخدع أهل اليمن ويستنزف مقدراته بشكل مقزز، واليوم هو على استعداد تام لأن لا يتخلى - فقط - عن وطنه، وعن شعب كان لعقود بحكم رعيته، بل هو على أتم الاستعداد لأن يتخلى عن جماعة الحوثيين الذين حاربهم وقصفهم يوما، ثم وبدون سابق إنذار أصبح حليفها، وليتحول مجددا عن مساره هذا، فيعلن أنه على استعداد للتخلي عن "الحوثيين" ولإشعال النيران فيهم، فهو وبكل بساطة لا يأبه إلا بنجاته وما تحت يديه من أموال اليمن المسروقة وأسرته الصغيرة.
إن الرئيس السابق "على عبدالله صالح" شخصية تدعو إلى التساؤل فاليمن أعطى له الكثير.. في حين نهب مقدراته، وحلل لنفسه أن يتعامل مع شعب اليمن ومقدراته كأملاك خاصة له ولأسرته، بل وطالب العالم بإقراره على ما فعل، وبمنحه الحصانة والرعاية والحماية والحرية لأن يعيش في أمان دون أي محاسبة من شعبه أو من المجتمع الدولي، بل طالب بأن يتم لجم الإعلام عن التطرق لسيرته، فهو على يقين أن الإعلام لا بد أن يتطرق لتاريخه الأسود، وهو ما سينغص عليه حياته في منفاه الاختياري الذي يتطلع إلى العيش فيه، ولا أستبعد أن يتطلع إلى مرحلة ثانية لشراء بعض الذمم تعمل على تصويره بطلا قوميا يمنيا قدم مصلحة بلاده واختار قضاء حياته في المنفى، وليظهر في مقابلات وبرامج تلفزيونية وصحفية ممولة تضخم ذاته وإنجازاته، ولو كانت لا تتعدى رصف الطرق.. ليعود لليمن مجددا مرفوعا على رؤوس تم تأجيرها وشراؤها بأموال اليمن المسروقة.
ولذا لم يكن موقف بلادي المملكة العربية السعودية والمجتمع الدولي الرافض تجاه مبادرات "علي عبدالله صالح" المتكررة والمنصبة إما على المساهمة في طعن حلفائه الجدد "الحوثيين" من الخلف، شرط ضمان سلامته وأهله وعدم التعرض لما تم وضعه تحت يده من مقدرات يفترض أنها من أملاك الشعب اليمني، أو بقبوله كلاجئ محملا بما أصبح تحت يديه، تاركا خلفه مخلفات السلطة البائدة وعرشا رفض مرارا التخلي عنه.. مبادرات لم تكن سلامة اليمن ضمنها، ولا سلامة جيشها، ولا حرس جمهورها أحد بنودها، ولا حتى الشعب اليمني الذي لا حول ولا قوة له أمام جماعات مسلحة سعت إلى السلطة ولو على حساب جثث الأبرياء.
"على عبدالله صالح" استنجد بالمملكة العربية السعودية وهو أشبه بالجثة الهامدة ليجد بيننا ما يجد الجار عند جاره المسلم.. فسخرت له رعاية صحية عالية استطاعت بحول الله أن تحقق النجاح في مهمتها، ولكن ردة فعله كانت الخيانة، إذ تعاون مع "الحوثي" حليف إيران الذين كانوا وبغباء يعتقدون أنه يملك القدرة على الوقوف في وجه دولة بحجم المملكة العربية السعودية.. ثابتة الدعائم والأركان.. أعتقد أنه قادر على الوقوف في وجه المملكة التي هي بحمد الله موضع احترام الأعداء قبل الحلفاء.
لقد امتهن "علي عبدالله صالح" لتغير جلده بحسب الظروف والأحوال، وبحسب ما يستجد من أمور، المهم أن يكون هو في صف الناجين وفي مقدمتهم، ولا أستبعد مطلقا أن يضحي بأسرته، بل بأقرب الأقربين له لو استلزمت مصلحته ذلك، هو ثعبان.. يغير جلده حسب المواسم.
ألا تعتقدون أنه يصعب فهم هذا الرجل! فهل يعتقد أنه مخلد؟! أو أن المجتمع الدولي قادر على تحقيق سلامته النفسية؟! هذا على فرض ما هو محال وهو قدرتها تحقيق سلامته الجسدية والمادية! لقد خسر الكثير.. والكثير ولا أعتقد أمامه إلا أن يسلم كل ما تحت يده من سلطات هو وابنه "أحمد" قائد الحرس الجمهوري، وموالوه الذين انقلبوا على الشرعية وحاربوها، لعله إن فعل يحسن خاتمته الملوثة بالفساد، لعل التاريخ اليمني يذكره كدكتاتور ختم حياته بالرجوع إلى الحق.