ونحن نعيش حربا استثنائية يتداخلها سلاح العدو الطائفي وانزلاق البعض نحو الطائفية المقابلة، أقول إن القوة الحقيقية التي نمتلكها ويجب أن نحافظ عليها هي العدالة والمساواة لكل أطياف المجتمع، ولكن كيف ذلك؟
قبل قرابة خمسة عشر قرنا؛ جاء الإسلام بالكثير من المبادئ الإنسانية التي يتفاخر بها الغرب والشرق اليوم، وفي تلك الفترة الكالحة والمُغرِقة في الجهل والظلام؛ جاءت مُثُل الإسلام بالمبادئ الإنسانية العادلة بين البشر. وكان لتلك المبادئ الإنسانية الأثرُ الكبير في انتشار الإسلام الكاسح في القرن الأول الهجري وقبل عودة العرب إلى العادات الجاهلية التي اعتادوا عليها قبل الإسلام، مما أدى إلى التراجع أو التململ الذي أصاب تلك الفترة! كانت العنصريات قبل الإسلام في قمّتها وخاصة عند العرب.
لم يتوقف التطور الإنساني والحضاري المعاصر، واستمر يتطور بشكل إيجابي نحو الحقوق والحريات بالرغم من كل المشاكل التي تمر بها عدد من المناطق في العالم ومن أسوأها منطقتنا للأسف، المنطقة المشتعلة بالحروب والصراعات بشتى أشكالها العنصرية والعرقية والطائفية والدينية وهكذا. ومن أسوأ نتائج المراحل المشتعلة أنها تعمل على عرقلة "وربما العودة للوراء" التطور الإنساني والحضاري، حيث يسود غالبا في هذه المراحل التشنّج والاندفاع أكثر من العقل والحكمة.
هذا ما يحصل في منطقتنا وللأسف، حيث كلما هدأت الأمور وبدأ يسود منطق الحوار والتسامح والتعايش؛ جاء ما يشعل المنطقة ويحرق كل الجهود نحو التطور الإنساني والحضاري للمنطقة! وللأسف أن بعض الجهال يستغلون مثل هذا الفشل للدفاع عن منطقهم المتشدد بأن هذه نتيجة مساعي الحوار والتعايش! ونسيوا أن أهم عامل لإشعال المنطقة هو التطرف والتشدد المُتَضاد من أغلب التيارات السائدة! وإذا نظرنا إلى العديد من الخطابات حول هذا الموضوع وجدناها تتحدث وبعنف ربما عن الآخرين، وتشير بأصابع الاتهام والمؤامرة إلى الغير، بينما البحث والتفكير في أنفسنا نوع من الهرطقة العصرانية المُنكرَة!
أعود لعنوان المقال؛ وهو من أهم المبادئ الإنسانية الحديثة، حيث يُعتبر مبدأ المساواة أساس الاستقرار والتعايش في أي بلد، ومن دون المساواة فإن كل بلدان العالم لن تتعايش ولن تستقر من دون مساواة، فضلا عن أنه حق إنساني مستحق للجميع، ولا أدري هل ينتظر المتطرّفون وعلى رأسهم ملالي إيران والدواعش إلى أن يُقتل نصف الشعوب حتى يُفكر النصف المتبقي بحلٍّ يوقف مسلسل الدماء والقتل لأجل القتل؟
المساواة جاء أساسها في الإسلام، حيث جعل الميزان والمعيار في درجة الإنسان من حيث الديانة هو التقوى فقط، "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فلم يخُصّ عرقا أو منطقة أو لونا أو جنسا، بل كل من مارس التقوى فهو من الأكرمين، وهي صفة بين العبد وربه وليس لأحد نزعُها أو هبتها لأحد، حتى لو كان أبو الإنسان العاصي، بل هو نفسه من أسوأ البشر، فبمجرد توبته واستقامته يصبح من أكرم البشر، وهذا النص من النصوص التي تُشَكِّل قاعدة عامة ومقصدا من مقاصد الإسلام، وهو المساواة بين البشر. لم يجعل الإسلام لأي طبقة من الناس أي ميزة عن غيرهم، فالكل خاطبهم الله بخطاب واحد، وكل الواجبات والمنهيات تشمل الجميع ولا فرق، وهذا عزز الأمر الأول.
يأتي ما يتعلق بالدول التي يقطنها مواطنون غير مسلمين، فهل يشملهم هذا المبدأ أم لا؟ هذه المسألة تحتاج إلى مساحة لنقاشها وشرحها، ولكن باختصار؛ فإن المواطن حتى لو كان من غير المسلمين يجب أن تكون حقوقه متساوية أمام الدولة والوطن، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ومثل هذه القضايا تدخل تحت مبادئ السياسة الشرعية والمصلحة العامة التي يستوجبها العصر وحق المواطنة، وعند دراسة العديد من القضايا المرتبطة بالسياسة؛ فإننا نجد أن النصوص الشرعية جاءت بعموميات وتركت الاجتهاد للأمة مفتوحا، ولهذا من أوائل من مارس مثل هذه المساحة للاجتهاد وتقديم المصلحة العامة؛ هو عمر رضي الله عنه في فرض الخراج وإيقاف سهم المؤلفة قلوبهم وإيقاف حد السرقة سنة المجاعة وغير ذلك.
جانب آخر مهم، وهو أن الكثير من التشريعات الإسلامية التي تضع فارقا بين المسلم وغير المسلم جاءت في وضع كانت جميع الدول بلا استثناء تتعامل بهذه الطريقة، ولكن الوضع اليوم أشبه بتعاهد دولي بالمساواة أمام الجميع بما فيهم المسلمين الذين يقطنون دولا غير إسلامية، وفي هذه الحالة؛ أعتقد أن المساواة، والمساواة المقابلة مطلوبة، وليس من العقل والعدل أن نكون نحن ضد المساواة بينما الآخرون ينادون بها ويطبقونها! وعلى كل حال؛ لعل هذا الموضوع يكون عنوانا لمقال آخر يناقش المسألة.
هناك العديد من المسائل التي تندرج تحت مبدأ المساواة أيضا؛ ولكن حاولت تركيز الكلام حول المساواة أمام الأديان والطوائف، كوننا نعيش جوا ملتهبا من الدفع نحو التطاحن الطائفي وللأسف. الأمر الذي لا نعرف إلى أين سيتوقف بنا هذا التطاحن والتعارك في المنطقة!
أختم هذا الموضوع بأننا نقف جميعا كوطن واحد أمام اعتداء الطائفيين والمعتدين على بلدنا الثاني بلد العروبة والتاريخ اليمن، وليس العكس وهو أننا في حرب طائفية! وواجب الإعلاميين والمثقفين أن تكون رسالتهم واضحة ضد الطائفية واستغلالها لحشد المغفلين والسذج للمصالح الشخصية، ويجب أن يكون واضحا أننا لسنا عنصريين أو طائفيين.