جاءت التطورات السياسية والأمنية المتلاحقة بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة لتكشف مدى هوس إيران بتمدد نفوذها الإقليمي وتدخلها السافر بدول المنطقة، مستغلة الظروف المضطربة بدول سقطت في مستنقع الفوضى والانفلات الأمني، نتيجة لما يسمى الثورات العربية وانشغالها بترتيب أوضاعها الداخلية وتقلص دورها الإقليمي، لتجعل طهران لاعبا أساسيا بالصراعات والفوضى التي جعلت المنطقة الأكثر اشتعالا بالعالم، واندلعت الحروب التي ربما تبدو ظاهريا طائفية، لكن حقيقتها "قومية فارسية".

ووظفت طهران حلفاءها بدول نفوذها الأربع (العراق، سورية، لبنان، واليمن) وتخطيطها لتأجيج "الحروب بالوكالة" ضد تحالفات مناهضة لمشروع تعظيم نفوذها الإقليمي وتحويلها إلى معارك استنزاف مفتوحة على الاحتمالات كافة أخطرها تهيئة الأجواء للاقتتال الأهلي الطائفي، لهذا تسعى إلى استخدام الوسائل كافة وأبرزها بلورة منظومة إعلامية وصحفية لتسويق مشروعها للرأي العام العربي، وإعادة تنشيط علاقاتها برجالها القدامى الكبار، كالكاتبين المصريين محمد حسنين هيكل، وفهمي هويدي، بالإضافة إلى تأسيس "جيل جديد" من شباب الصحفيين والإعلاميين، بمشروع يشمل معظم الدول العربية رغم استمرار القطيعة بين القاهرة وطهران منذ 1979 لتجعل مصر الدولة الوحيدة بالمستويين العربي والإسلامي التي لا تربطها علاقات بإيران بمستوى السفراء، ولم يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 115 مليون دولار فقط.

ورغم استئذان هيكل مرات للانصراف بحكم عمره، لكنه عاد ليقدم سلسلة مقابلات لفضائية مصرية خاصة، هاجم خلالها عملية "عاصفة الحزم" ضد ميليشيات الحوثيين الموالين لإيران باليمن، قائلا: "إن الأحداث سُبقت بقرار العمليات العسكرية باليمن وتجاوزت الترتيبات كافة وأبرزها مؤتمر القمة العربية، وكان ينبغي أن يأتي التدخل العسكري لاحقا للقمة نتيجة لقراراتها، خاصة أن أهم بنود جدول أعمالها كان إنشاء قوة عربية مشتركة، ومعنى بداية العمليات قبل القمة أن عشر دول عربية قررت أنها لا تستطيع الانتظار ساعات وتصرفت دون انتظار غطاء سياسي جامع يغطي هذا التصرف باعتباره إرادة عربية موحَّدة".

وأضاف هيكل إن إيران بلد قوي إقليميا، وتتمتع بقدرات للتأثير، مشيرا إلى أن الدول التي تمتلك حضارات راسخة أنتجت ثقافات مختلفة لها تأثير في بقية الدول، لكن الواقع والتاريخ يؤكدان استماتة هيكل بدعم إيران على حساب العرب وحتى مصر، وكان يرغب بانتظار القمة العربية، ولا أفهم ماذا كان سيحدث حال عدم الإجماع، فهل كان التحالف سيخالف قرار القمة بتوجيه الضربة العسكرية أو الامتثال للقرار بعدم توجيهها، والمتابع لكتابات وتصريحات "العرّاب هيكل" سيكتشف دعمه لإيران امتدادا لكراهيته للرئيس الراحل السادات الذي استضاف الشاه الراحل عقب إطاحته، بينما انحاز هيكل لإيران الخميني وخامنئي.

وذهب هيكل بعيدا بمزاعمه أن "الطيران الأميركي يشارك بالقتال"، وبينما أثارت تصريحاته الغضب والانتقادات بأوساط السياسيين والصحفيين المصريين، فقد أعادت مواقع ووسائل إعلام إيرانية وموالية نشره، لتأكيد وجود أصوات لها ثقلها السياسي ترفض الحرب ضد الحوثيين.

يعرف المراقبون لشؤون المنطقة دور هيكل كمستشار إعلامي للخميني منذ لقائهما في باريس وزيارته لطهران، وتوليه لسنوات طويلة حملة تشويه للشاه بالصحف الغربية والعربية والترويج للخميني وثورته، لهذا كشفت مصادر استخبارات إقليمية حصول هيكل على الجنسية الإيرانية منذ عام 2013، مؤكدة سفره بفبراير 2013 سرا لطهران، ومنح الجنسية بحفل تكريم حضره محمدي كالبيكاني المستشار الخاص للمرشد الأعلى خامنئي وكبار الشخصيات الإيرانية، وأوضحت المصادر أن تكريم هيكل جاء تقديرا معنويا لما وصفوه بدوره في مساندة النظام السوري والتحالف الذي تقوده إيران و"حزب الله" الذي يُطلق على نفسه "تيار الممانعة والمقاومة".

وتجاهل هيكل الدور الإيراني الذي لم يتعرض لاختبار حسن نوايا كما تعرضت بالحرب الأميركية بالعراق وتداعياتها، ونتساءل عمن ساعدوا الأميركيين لاحتلال العراق وصلتهم بإيران من إبراهيم الجعفري وإياد علاوي ونوري المالكي وعادل عبدالمهدي وأحمد الجلبي وآل الحكيم وغيرهم؟

وتتوالى التساؤلات التي تجاهلها هيكل عن تدريب ميليشيات "جيش بدر" وماذا فعلت عقب دخولها العراق عبر إيران، وقادتها الذين أسسوا وسلحوا ودربوا "فرق الموت" وزرعوهم بالجيش والشرطة والوزارات السيادية، بينما طالب "العرّاب" الرئيس السيسي بالتطبيع مع إيران، حين كان الجيش المصري يضع اللمسات الأخيرة لمشاركته في العمليات العسكرية ضد الحوثيين.

ومن طهران لبيروت، وتحديدا بعد أيام من اعتداءات حزب الله عليها 7 مايو 2008، ووصولا إلى الجبل والبقاع والشمال، وحينها أوفد حسن نصرالله مبعوثا للقاهرة لينقل إلى هيكل رسالة تشرح ملابسات الأحداث، وبعدها تحدث هيكل بنادي القضاة المصريين الذي كانت تهيمن عليه جماعة الإخوان، وكشف جانبا من معلومات مبعوث نصرالله، قائلا إن "حزب الله" اضطر للقيام بعمل وقائي لأن هناك قوى كانت ترغب باستدراجه لمواجهة عسكرية تنتهي بتدخل قوات عربية لبيروت لإخراج المقاومة.

بعد مرور نحو عامين ونصف العام سرب موقع "ويكيليكس" وثيقة للخارجية الأميركية مفادها أن وزير خارجية عربيا طالب واشنطن بتشكيل قوة عربية غربية لإنقاذ بيروت، ومنع عدوان "حزب الله" عليها فاحتلالها يضيف عاصمة عربية جديدة خاضعة لإيران، وبربط الواقعتين يستوقفنا سؤال عما إذا كانت تلك مصادفة أو "سبقا صحفيا" لهيكل بكشف واقعة سبقت تسريبات "ويكيليكس" الخطيرة، وكيف عرف المعلومات التي كشفها في مايو 2008 لتهز المنطقة في ديسمبر 2010 أي بعد عامين ونصف العام لاستعادة الحديث عن العلاقة الوثيقة التي تربط هيكل وإيران و"حزب الله"؟ سواء عبر مبعوثين، أو مقالات هيكل، وأحاديثه عبر فضائية "الجزيرة" حينذاك.