قبل الدخول في التفاصيل، أقول إن بعض الوافدين المسلمين لا يحسنون صلاتهم ولا قراءتهم للسور من القرآن التي يحفظونها فضلا عن عقيدتهم، وهي مسؤوليتنا في البيوت بالنسبة للعاملات ومسؤولية جماعة المسجد بالنسبة للسائقين وبقية العاملين من الذكور.
أعرف أن هناك جهات مسؤولة في الدولة كإدارة توعية الجاليات في وزارة الشؤون الإسلامية وغيرها من الجهات، إلا أنه لكثافة التوعية والتعلم والتعليم لأمور الدين التي تحتاج إليها الجاليات نظرا لكثرة عددهم، فقد يكون من الصعب على الإدارات الرسمية الوفاء بالتزاماتها.
الجاليات المسلمة تمكث لدينا سنتين على الأقل في منازلنا، ويحضرون صلاة الجمعة طيلة تلك الفترة، ثم يعودون إلى أوطانهم كما أتوا لا فائدة من مكوثهم بين ظهرانينا، ولا فائدة من حضورهم لصلوات الجمع طيلة تلك الفترة. هل هذا يعقل في بلد يحتضن الحرمين الشريفين؟
إذا قمنا بتوعية الجاليات في بيوتنا وفي أحيائنا فإنهم يعودون إلى أوطانهم ويفرغون كل ما تعلموه لذويهم، وكل من يعرفون وكل من يلتقون به وأولئك يفرغونه لمن يعرفون، فيكون أجرا مستمرا بإذن الله إلى يوم الدين. هكذا يجب أن تكون النية وهكذا يجب أن يكون العمل.
في تجربة لأحد المساجد التي أعرفها في جدة قام إمام المسجد وفقه الله ومن يعاونه بعمل برامج توعية، ربما تكون تعمل لأول مرة في مسجد حي، قام بإعداد برامج توعية أسبوعية يتخللها عشاء ومسابقات وجوائز وزيارات لمكة والمدينة، وكذلك بإعداد برنامج نوعي للترجمة الفورية لخطبة الجمعة. هذه البرامج النوعية على قلة كلفتها يجب أن تكون في كل مسجد في بلادنا، إنها ضرورة وليست خيارا.
ماذا لو احتج علينا هؤلاء يوم العرض بأنهم عاشوا بيننا ردحا من الزمان ولم نعلمهم أمور دينهم، انظروا إلى العمالة التي تصلي في الصف الذي أمامكم، بعضهم يرفع قدميه أثناء السجود، والسجود على الأعضاء السبعة أحد أركان الصلاة الأربعة عشرة.
إذن ذلك العامل أخل بركن من أركان الصلاة فهل صلاته صحيحة؟
يا قوم لنتق الله في العمالة المسلمة الوافدة إلى بلادنا، يعيش بيننا عدد 8.43 ملايين نسمة وفق الكتاب الإحصائي لعام 2010 ويمثلون 31?1? من عدد السكان.
هؤلاء منهم المسلمون ومنهم غير المسلمين، وربما يكون منهم الأميون، وهنا أضع أبناء هذا الوطن الكريم المملكة العربية السعودية الذين عرفوا بسمو عقيدتهم ومثلهم وقيمهم وأخلاقهم، قضيةً لم نفكر فيها بعمق وأدعو إلى التفكير فيها لإيماني أنها تستحق التفكير، وتستحق أن تحظى منا بالاهتمام والمبادرة.
الفئات الثلاث التي يتكون منها الوافدون "المسلمون وغير المسلمين وإن كان هناك أميون" تتطلب منا أفرادا وعائلات ومؤسسات الارتقاء بمستوى معرفتهم لديننا ولغتنا، وهنا تفصيل لا بد منه.
أولا: قضية غير المسلمين ربما يكون من الأولى أن يتولاها متخصصون في الدعوة، لأنها تحتاج إلى إقناع، لكن ذلك لا يمنع من محاولة الأفراد والعائلات من دعوة من يعملون معهم إلى إهدائهم أفضل ما يملكون: "دعوتهم إلى دينهم الإسلامي"، الدين الصحيح الذي نسخ كل ما قبله من الديانات وجاء به آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
وثانيا: أمر الأمية بين من يعملون معنا وإن كانت قليلة فهي مسؤولية من يعملون معهم. إن كانت موجودة.
والأمر الثالث: وهو الأهم الذي من أجله أكتب هذا المقال، هو من يعمل معنا من المسلمين الوافدين إلينا.
هؤلاء، إن كنتم قد لاحظتم بعضهم، إن لم يكن أغلبهم لا يجيدون أمر الوضوء ابتداء وقراءة الفاتحة، ولا قراءة القرآن كما ينبغي ولا الصلاة، منهم من يجهل أركانها وواجباتها. وأنا هنا أسأل: كم منا خصص وقتا للسائق أو العامل، وكم من العائلات خصصت من وقتها للعاملات معها لتعريفهن كيف يتوضأن وكيف يقرأن القرآن وكيف يصلين؟ هذا الأمر فيه جانبان مهمان للغاية:
الجانب الأول، أننا نقوم بواجبنا الديني تجاه هؤلاء الذين منَّ الله عليهم بزيارة بلد الحرمين، وبين مواطني هذا البلد الكريم الذي يعدّ فرصة عمرهم أن يعيشوا بين مواطني أطهر بقاع الأرض، ومنَّ الله علينا بفرصة منحنا الله إياها في طريق الخير والأجر. تحل بنا البركة والخير العميم الذي ينتشر على كل زاوية من بلادنا بفضل العمل العظيم الذي نقوم به، إن نحن هببنا جميعا بفضل ذلك ونجحنا فيه.
الأمر الثاني تصوروا عدد الملايين الذين أتوا إلى بلادنا بحال وعادوا إلى بلادهم بحال أفضل يحسنون الاستعداد للعبادة، ويحسنون العبادة نفسها من صلاة وصيام، ويحسنون قراءة القرآن. كيف سيكون وقع ذلك على أهلهم ومواطني بلادهم؟ ثم تصوروا حجم المواقف الإيجابية ومستواها الذي يتشكل عن بلادنا وأهلها.
ليس هذا فحسب بل إنهم بدورهم سيقومون بنشر كل ما تعلموه عندما كانوا بين ظهرانينا إلى من يلتقون من أهل وأقارب وأصدقاء، وتصبح سلسلة لا تنقطع من جانبنا إذا نحن استمررنا في هذا العمل مع كل قادم جديد لتصل الأعداد إلى عشرات الملايين على مر الزمن وينقل ما علمناه إلى عشرات الملايين في البلاد التي يعود إليها أولئك الذين نعلمهم.
خلاصة القول، لا يليق بنا أن يبقى الوافدون بيننا سنوات ويعودا إلى بلادهم كما جاؤوا لا يحسنون أمور دينهم. أقول لا يليق، ولا أعرف الفتوى في ذلك إن كان يتوقف على هذا الأمر حساب وسؤال يوم الحساب. وجود الوافدين بيننا خيٌر أتاحه الله لنا إن عرفنا كيف نستثمره.