عندما درسنا النظريات الإعلامية التي تُدرس في أكاديميات الإعلام ومدارس الصحافة، كان التركيز على مفهوم "المصداقية"، وأنها سر نجاح الوسيلة الإعلامية، وكان الإعلام الحكومي الصادر عن مؤسسات الدولة في مقدمة من يقدم المعلومة المؤكدة للرأي العام، أما اليوم ومع انفتاح الإعلام -خصوصا بعد أحداث حرب الخليج- تفجرت المعلومات وأصبح الخبر في متناول القاصي قبل الداني في أَروقة الكرة الأرضية، وأصبح مؤشر الحصول على المعلومة أن تقتني جهاز الكف الصغير -الهاتف الذكي- حتى تعرف ما يدور في سطح القمر أو في "جزيرة ما" على المحيطات، وسهولة ذلك بالاشتراك أو التطبيق على أجهزة الاستقبال والمكالمات التي يحصل عليها الأطفال فضلا عن الكبار، وهنا تعظم المسؤولية في نقل الخبر وتلقي الخبر والتصديق به ومعرفة المرسل، ومصداقية المعلومة التي استقبلتها من مصدر "ما".

ولكن الأمر اليوم لم يعد بهذه البساطة بعد انتشار الإشاعات التي يتناقلها بعض الناس، ومع الأسف تصحبها النكتة وأحيانا تعليق على الإشاعة، ولا يعلم الناس أن أخطر ما يهدد المجتمعات هو الإشاعات وتناقلها من شخص إلى آخرين يفرحون -مع الأسف- عند حدوث بلبلة جراء هذه المعلومة، ونسوا: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم".

وقد جاءت هذه الآية في معرض قصة السيدة عائشة، رضي الله عنها، عندما جاءت قصة الإفك من قبل زعيم المنافقين عبدالله بن أُبّي بن سلوك رأس النفاق في المدينة المنورة.

وعبر التاريخ الحضاري للإسلام أوقعت الإشاعات حروبا وقطيعة في المجتمع الإسلامي الآمن، والآن يتفنن الناس في عرض الإشاعة وتسويقها عبر رسائل الإعلام الجديد اليوم في وسائط متنوعة ولا يعرف المصدر لها مع الأسف، أو يعرف بالرمزية بعد ذيوع الإشاعة وسريانها في الهشيم المتلقي من سواد الناس الأعظم.

اليوم تقع مسؤولية كبيرة على مسوقي هذا اللون من الأخبار عبر مواقعهم، خصوصا في "تويتر"، ومجاميع المحادثات التي تروج للإشاعات التي يفرح صانعوها بوجودهم عليها، وينسون الآية الكريمة: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"، التي تخيف أولي القلوب المؤمنة التي تحاسب نفسها قبل أن تحاسب أمام ملك الملوك جل وعلا.

إعلام اليوم مع الأسف في المواقع الإلكترونية -إلا من رحم ربك- يعتمد في تسويقه على الإشاعات التي ترهق عيون وآذان الناس من أخبار مختلقة لا تفكر في مآلات هذا الأخبار المكذوبة "الإشاعات"، ولا تراعي ضميرا ولا يهمها استقرار المجتمعات، وأمنها ووحدتها، خصوصا في هذه الأيام التي يقف فيها فلذات أكباد المجتمع السعودي على الحدود الجنوبية لوطنهم، مدافعين عن حياض الإسلام وبلاد الحرمين، وفقهم الله ونصرهم وحماهم، بينما يقوم الإعلام المأجور في مواقع التواصل وبعض الفضائيات بالتفنن في صياغة أخبار مكذوبة مغلوطة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وهي في عقولهم ستكون مثار تساؤل حتى بعد إطلاقها!

أتمنى من هؤلاء وغيرهم الذين يهمهم الخبر دون المصداقية أن يأخذوا عبرة من المتحدث الرسمي لعاصفة الحزم العميد أحمد عسيري حتى يعرفوا: "كيف يصاغ الخبر وتقدم المعلومة الموثقة بالصوت والصورة؟"، ويتعلم أصحاب الإشاعات كيف هو إعلامنا "صادقٌ ومُعبّر" يراعي الحقيقية وتقديم المعلومة التي تنفع، ولا تضر.