لم يعد من المستغرب أن تجد من يرسل إليك طلب أن تشاركه بناء مزرعته أو تربية دواجنه الافتراضية! ولا من يطلب منك أن تكون أحد الفرق الرياضية العالمية لينساق الجميع في اللعبة السعيدة، وفي الوهم الملون. اللعب المتخيل الذي فاق الواقع حضورا واهتماما، حيث الواقع لن يمنحهم مطلقا أن يقوموا بتكوين قبيلة من الأتباع أو إدارة شؤون مزرعة متكاملة، مثلما ليس بإمكانهم أن يشاركوا كلاعبين في أية لعبة من ألعاب كرة القدم باستثناء كونهم متفرجين ليس أكثر.
من هنا ظهر جيل لعبة المزرعة السعيدة ولعبة الفرق العالمية. جيل كامل الآن يعيش في الخيال والتخيل ما بين المزرعة السعيدة والألعاب الإلكترونية ومباراة كرة القدم شبه الحقيقية في شاشة "السوني"، وفي شبه عزلة تامة.
فالفرد لديه أرض ومنازل وغنم وبقر وبعارين وخنازير ويمكنه ببساطة أن يكون "فاندام- جاكي شان- أو آرنولد".
هناك واقع حقق له متطلبات نفسية وشعورية سيكون بعده من الصعب الاستجابة للواقع الحقيقي الذي لم يقدم له إلا الفراغ والخواء ودور المتفرج في الحياة المعاشة، إذ لا متنفس حقيقيا للشباب.
سنرى نتاج هذا السلوك الافتراضي الذي أصبح مسلما به في كل بيت. سنرى جيلا يعاين الكسل ويفتقر إلى أدنى درجات المهارة اليدوية والإنتاج الفعلي، وذا جهاز عصبي ونفسي منهكَين.
جيل المزرعة السعيدة يتزايد اهتمامه بالتكنولوجيا الرقمية، فنحن أمام المعتقلات الاختيارية الجديدة التي تُعبَأ بالتوجيهات والشخصيات المطلوبة.
برمجة أجيال الشباب هي مرحلة متقدمة جدا من آليات التغيير في واقع الشعوب.
هذا بالتحديد ما جاء في كتاب مصطفى محمود "من أميركا إلى الشاطئ الآخر" إذ يقول: "وأي نوعية من الأجيال الجديدة يمكن أن تُخرجها هذه النظم التلفزيونية الأميركية، لا أظن أنها يمكن أن تُخرِج النوعية القديمة من الشباب الذي حارب وأقام إمبراطورية، ولا أظن أن الأجيال الجديدة يمكن أن تحارب بحماس من أجل أية قضية.
فالشباب رخو مُرفَه، وهو بعد عمل مرهق طوال الأسبوع لا يفكر إلا في تسلية يغرق فيها عطلة نهاية الأسبوع".
وبهذا، فإن صناعة العقل في مجتمعاتنا تغوص أكثر وأكثر في الغرق المعرفي التقني الموجه، بينما تحدث تلك الألعاب تاريخا وعالما بأكمله إنما بصمت مريب على مستوى العقل والوعي.