كان اليمن يغلي قبل الثورات العربية، وحينها ظهر علي صالح مرات عدة يتعهد بعدم ترشحه للرئاسة، في سياسة استغفال للشعب، ثم يدفع أنصاره للمطالبة ببقائه! كما طالبوا بابنه أحمد أخيرا. ثم جاءت الثورات العربية، وخرج اليمنيون عن بكرة أبيهم يطالبون بإسقاط علي صالح، وكادوا أن يغتالوه لولا عناية الله به، وعرف المخلوع أن خلفه تركة من الفساد والخراب والمحسوبين ولا بد من ضمان حقوقهم، عبر العودة لممارسة السياسة من جديد تحت أي غطاء. تمكن اليمنيون من إسقاط علي صالح، بعد أن مكثوا في شوارعهم أشهر عدة، حتى ضرب بهم المثل الأعلى في الوحدة الوطنية وعدم التخريب أو الاعتداء، متمسكين بحكمتهم في ثورة سلمية، بينما كان صالح يقتلهم في الساحات.
اضطرت دول الخليج للوساطة مرات عدة قبل الثورة الأخيرة وبعدها لإخراج اليمن من أزمته. وكان المشهد السياسي واضحا بأن علي صالح كان يخطط بمكر ودهاء للعودة إلى الحكم، ولكن من باب انتخابات ما بعد الثورة، وأيضا من خلال المؤسسات العسكرية التي غالبها من أتباع حزبه، والمحسوبين عليه. لقد خرج من الحكم بحصانة الشعب بعد أن بكى رئيس مجلس النواب خوفا على اليمن وهو يطلب من مجلس النواب العفو عن علي صالح وإعطائه حصانة، خاصة هو ومن معه من قائمة الشركاء في المسؤولية، لضمان وحدة اليمن. بعد ذلك عاد "المخلوع" يرتب أوراقه من جديد بالتعاون مع إيران من خلال من كان يقاتلهم بالأمس (الحوثيون)، ووضع نصب عينه أن يستعيد السلطة بمخادعة اليمنيين، فاستغل رغبة إيران في الدخول لليمن من خلال الحوثيين وشجعهم ومكنهم من الانقلاب على الدولة واختطافها، كجزء من اختطاف علي صالح للثورة التي أطاحت به.
لقد عمل كل شيء للعودة للسلطة وبذكاء وخديعة، ينوي من خلالها أن يستدرج اليمنيين إلى حرب أخرى ضد الحوثيين، فهو من أسقط الدولة والشرعية ونشر الفوضى عبر المؤسسة العسكرية التي تتبع له، فبعد إعادة هيكلتها من قبل الرئيس هادي، بدأ علي صالح يشعر أن مشروعة الانقلابي الجديد في خطر، وهذا ما أفصح عنه اللقاء بين نجله ووزير الدفاع السعودي، عندما جاء ليساوم على الشعب اليمني وأمن اليمن وأمن الحرمين الشريفين، وعلى العروبة في عقر دارها.
هنا لم يبق سوى إيقاف مسلسل علي صالح الذي يلعب على وتر الطائفية مرة والوطنية مرة أخرى من أجل الزعامة، وكان يمكن أن يكون أبا لليمنيين كافة لو أنه درس الوضع جيدا وسلم اليمن لليمنيين وبقي مرجعا لهم، وشوكة ميزان بينهم، يعدل ويصلح ويدفع باليمن للتطور والتقدم والتحول إلى وطن الجميع فيه شركاء. وما كان لإيران إلا أن تبارك جهوده على دعوته لها من خلال الحوثيين الذين لو فكروا مليا لوجدوا أن إيران فقط توجه وتدير الحروب وتضع الشيعة العرب كأنهم رعايا إيرانيين غرباء في بلدانهم وأوطانهم، وتفرق بينهم وبين شعوبهم التي تحترمهم وتعترف بهم ضمن مكوناتها المختلفة، مثلهم مثل غيرهم من المواطنين، ما دام الوطن والمواطنة هما الأساس مهما اختلفت المذاهب والأعراق والطوائف. هؤلاء الشيعة -وهم عرب أقحاح- يجب أن يتذكروا أن إيران لا تناصرهم، ولكنها تستغلهم بحكم مذهبهم والزج بهم في مشروع فارسي تسعى إلى تحقيقه لتكون قوة كبيرة في المنطقة على حساب الدول المجاورة لها وخاصة العرب، والسؤال لماذا إيران لا تتدخل إلا في شؤون العرب، وعندها أقليات في دول مجاورة لها، ولم تتدخل فيهم ولم تدعمهم؟
إيران منذ أن تحولت إلى دولة مذهبية أيام الدولة الصفوية للوقوف ضد العثمانيين، تحاول أن تطبق السياسة نفسها مع العرب في هذه المرحلة الدقيقية من التاريخ. ولهذا يجب أن يتذكر الشيعة العرب أنهم عرب مسلمون، ثم شيعة، وأن إيران ليست دولة دينية، تعمل لخدمة الدين ولكنها مثل غيرها تستخدم الدين من أجل فرض سياستها وتحقيق أطماعها، وبدون الدين فلا مشروع لديها ولا مبرر لخروجها من حدودها الجغرافية، إلا من خلال المذهبية أسوة بالدولة الصفوية، وقد استحدثت ولاية الفقيه التي لا يقرها الكثير من الشيعة حتى بعض أتباعها في إيران، ولهذا وجب على الشيعة أن يعلموا أن التشيع لا يعني الولاء لإيران، مثل ما يعني ذلك أن السنة في أي مكان يجب أن يكون ولاؤهم لأوطانهم مع تمسكهم بمذهبهم.
إيران جاءت إلى المذهب الشيعي من الباب الخلفي لأسباب سياسية (فقط) فهي تزايد على المراجع الشيعية العربية الأصيلة في التشيع، لقد سمح علي صالح والحوثيون لإيران باستغلال اليمن لتكون قاعدة عسكرية لضرب كل من يختلف مع مشروعها في تصدير الثورة، وهذا يعني اختراق العمق العربي وضربه في منبع ومهد عروبته، فلا يمكن أن يتحول قلب العروبة إلى مستعمرة إيرانية. ولهذا فإن انقلاب علي صالح على الشرعية واستخدامه للحوثيين واستغلال الطموح الإيراني لضرب خصومه السياسيين مستقويا بإيران يعد خيانة عظمى لشعبه ووطنه وللعرب ولمهد العروبة، فهو من دفع بالحوثيين في واجهة الأحداث بينما هو المدبر والمخطط الحقيقي لتقويض الدولة اليمنية وإضعافها، وهو من سهل وصول الحوثيين إلى صنعاء والاستيلاء بالقوة على مؤسسات الدولة.
بقي على اليمنيين أن يحافظوا على وحدة اليمن وعروبته وتاريخه الذي نعتز به جميعا، فجميع العرب مع اليمن ضد من يعبث بتاريخه أو يبيعه بغية الوصول إلى السلطة.