قبل أسابيع فقط تحقق في "تركيا" ما كان يطمح إليه المصلحون منذ عهد السلطان/ "عبدالحميد الثاني" 1876ـ 1909م، ويتلخص في حكم الدستور، وسيادة القانون في كل تفاصيل الحياة المدنية، من انتخاب الرئيس وتحديد صلاحياته، إلى إبعاد "المنقبات" من الجامعات، ومن الحياة العامة، بمن فيهن زوجة الرئيس/ "عبدالله غول"! وبالقانون "العلماني" المدني توَّج "أردوغان" ـ الإسلاموي الراديكالي الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام ـ معركته المدنية الضارية ضد كل أشكال الممارسات الدكتاتورية!

وإذا كان فوز الزميل/ "براك بن حسين أوباما" برئاسة البيت الأبيض ثمرة لكفاح السود عموماً، و"مارتن لوثر كنج" خصوصاً، فإن فوز "التعديلات الدستورية التركية" ثمرة لكفاح المصلحين الأتراك في القرنين الماضيين: حين استجاب "أولو خاقان"/ "عبدالحميد الثاني"، وأعلن الدستور، الذي انتخب بموجبه مجلس النواب المعروف بـ"المبعوثان"، ولم يمض وقت طويل، حتى دخل "المبعوثان" الخديج أول وآخر امتحان حقيقي له؛ حيث صوَّت لصالح إعلان الحرب المشؤومة ضد "روسيا"، رغم معارضة السلطان/ "عبدالحميد" وتحذيره وتصريحه بأن الدولة ليست مستعدة لها! ولكن أعضاء "المبعوثان" ـ فيما يبدو ـ كانوا "مستجدي ديمقراطية"، ومن وجهة نظر عربية: "عنـز بدو طاحت في مريس"! دفعهم الحماس إلى أن يستسهلوا نسف تاريخٍ طويل من الاستبداد "العثماني" في جلسةٍ أو جلستين! وكانوا بذلك ـ مادمنا في سيرة "العنـز" ـ ومن وجهة نظر عربية أيضاً، كأستاذتي الغالية، سيدة النطاحين والنطاحات / "أم قُرَيْنٍ": أراد القوم ذبحها، لكنهم فقدوا "السكين"! فما كان من "لقافتها" ـ رحمها الله ـ إلا أن بحثت في الرمل حتى ظهرت السكين الدفينة! فما كان من السلطان/ "عبدالحميد" إلا أن حل "المبعوثان"، وألغى الدستور قائلاً ماترجمته: "شفتوا إنكم ماتنعطون وجه"؟! ولكن الحرب أثخنت في جراح الدولة العثمانية، وأدخلت "الرجل المريض" غرفة العناية المركزة! وانتهى "آخر السلاطين الأقوياء" بالخلع والمنفى بتهمة "الرجعية" عام 1909م، أي قبل مئة عام بالتمام والكمال!

فهل كان الأتراك بحاجة إلى كل هذا الوقت لتنضج ممارستهم الديمقراطية؟ الحق أن "الرجل المريض" لقي عناية حقيقية لإنقاذه بالدستور والقانون، وكان يمكن أن يتعافى، لولا أن العسكر، بقيادة/ "كمال باشا أتاتورك" لم يطيقوا صبراً على تطبيبه، فأجهزوا عليه، وحكَّموا البطش والاستبداد! وظلوا منذ 1924م يجهزون على أي "دستور"، كلما نفد صبرهم من "المطرسة" الديمقراطية! إلى أن أعلن "أتاتورك الدستوري المدني"/ "الطيب رجب أردوغان" الانتصار الشعبي النهائي على التقلبات والانقلابات العسكرية! ومنذ الاستفتاء الشعبي الأخير على التعديلات الدستورية، لن يستطيع "زعيط" الوصول إلى هرم السلطة بـ"باراشوت" القوة، بحماية "معيط" على ظهر دبابة "الشعارات"، ورشاشات "نطاط الحيط" المزايدة على الوطنية، ومحاربة الفساد والرجعية، و... تحيا الأمة الـ..."التركية" طبعاً، "أمان ياربي أمان" من سوء "الزنون"!!!

[email protected]