البرلمان الباكستاني عندما صوّت مؤخرا بالحياد في الحرب العادلة للتحالف الذي تقوده المملكة لإعادة الشرعية في اليمن، أصاب الكثيرين – من الذين راهنوا على حفظها ليد المملكة ومساعداتها لهم- بالدهشة والاستغراب، وفاجأهم هذا الموقف المميّع منها، سيما وأن تصريحات نواز شريف، ومن قبله الأحزاب والجماهير الباكستانية، كانت تدعم بقوة موقف المملكة.

المغرب بدوره، يشهد نقاشا ساخنا حول الحرب، والأحزاب المختلفة هناك تتنازع حول مشروعية الحرب، ما أصاب النخب الخليجية بحيرة تجاه هذا الموقف أيضا، وجعل من المفكر السياسي القطري الدكتور محمد المسفر يكتب لها ولغيرها: "نذكّر إخواننا في المغرب بأن دول مجلس التعاون وقفت إلى جانبهم في مسألة الصحراء، في كل المحافل الدولية، ولم تبخل دولنا الخليجية بتمويل مشاريع التنمية في المغرب، بل طرحت السعودية المملكة المغربية لتكون العضو السابع في دول مجلس التعاون، فلماذا هذا الجفاء تجاهنا من منظمات المجتمع المدني والخبراء الدستوريين وقادة الأحزاب المغربية من طلب المملكة السعودية وحلفائها في مناصرة الحكومة الشرعية اليمنية ومناصرة عاصفة الحزم؟"

الحقيقة، ثمة دول عربية إسلامية أخرى، لا داعي -لحساسية الموقف- لذكرها بالاسم، قمنا بمساندتها طيلة تأريخها وحتي وقت قريب جدا، ولم نبخل عليها بالدعم الكامل، إن ماديا عبر عشرات المليارات التي ذهبت إليهم لمساعدة اقتصادها من الانهيار، أو مساندة لها في أروقة الأمم المتحدة، أو وساطة عند الدول الكبرى لتثبيت شرعيتها، وبذلنا جاهنا في كل الاتجاهات، نراها اليوم تبتز دول الخليج بطريقة لا تليق بحفظ الجميل، أو تقدير للمواقف التي اتخذناها من قضاياهم، وبالتأكيد هذا درس كبير انبجس من "عاصفة الحزم"، يصطف لدروس وعبر كثيرة، سيكون لها أوان لدراستها ومحاسبة النفس فيها، ولكن بعد انتهاء هذه الحرب العادلة.

سماحة الوالد مفتي عام المملكة طرح موضوع "التجنيد الإجباري" في خطبته الأخيرة، وأحدث حراكا داخل المجتمع السعودي، لأن الدعوة تأتي من أرفع شخصية شرعية بالمملكة.

النخب المثقفة ونحن الكتبة، طرحنا مرات عدة هذا الملف خلال السنوات المنصرمات، وأكدنا على أننا نحتاج أبناءنا وقت الأزمات، ونوهت في مقالة سابقة قبل أعوام عن هذا الملف بكثير من التفصيل، وأنه ليس مجرد خدمة عسكرية.

فكرة "التجنيد الإجباري" أو "خدمة العلم" أو "الخدمة الإلزامية" أو "واجب الخدمة العسكرية" أيا كانت المسميات، هي فكرة أكبر وأوسع من تجنيد الشباب فقط في السلك العسكري، وتدريبهم على القتال والأسلحة، هو مشروع وطني متكامل، من ضمنه بالتأكيد الجانب العسكري، ولكن ليس هو كل المشروع، فثمة جوانب تربوية وفكرية ونفسية في المشروع، ستخرج لنا أجيالا على قدر كبير من الثقة بالنفس والطموح والوطنية الحقة.

هناك مقترح طرحه مجلس الشورى باسم "خدمة العلم" في عام 2012، الذي قدمه العضو سالم المري بلجنة الشؤون الأمنية في المجلس، ومقترح "خدمة العلم" وضع آليات وضوابط للتجنيد الإجباري بصورة مواكبة للعصر، تهيئ شبابا سعوديا قادرا ليس فقط على الخدمة العسكرية بالجيش الوطني، وإنما أيضا على الخدمة المهنية، وآن الأوان لإخراج ذلك الملف المغبر من الدرج الشهير لمجلس الشورى الذي يُدفن فيه كثير من المشروعات الوطنية الملحّة.

ها أنا أقسم بالله أيمانا مغلظة، أن شباب هذا الوطن يستحقون الثقة فيهم، وهم الأقدر والأكفأ بعد الله تعالى في حماية ثغور بلادنا المترامية الأطراف، أناشد هنا المسؤولين بألا يلتفتوا إلى أولئك الذين يقولون بإمكانية تسلل المتطرفين من "داعش" أو "حزب الله الحجاز" الشيعي، لأن الكثرة الكاثرة -بإذن الله- كفيلة بكشف أمثال هذه الفئات التي ستفضح إن ظهرت أمام سمع المجتمع وبصره، ولكل مشروع سلبياته التي ستضيع في بحار الإيجابيات التي نغنمها كوطن من هكذا مشروع.

لو يدرب الشباب الجامعي اليوم بعد تخرجهم، لوظائف ثانوية على الأقل، سيكونون رصيدا وعونا لرجال الأمن، من مثل دوريات الأمن في المدن، وغيرها من الأعمال التي لا تحتاج مباشرة القتال، والأمر ذاته ينطبق على الفتيات في دورات الإسعافات الأولية وغيرها من الأمور الطارئة التي تتناسب مع الفتاة في تلك السنّ، لنسد الثغور عن رجال أمننا الأشاوس، المنشغلين بهذه الحرب العادلة.

لا أكفأ ولا أقدر على حماية الوطن من أبنائه. الآخرون يظلون مرهونين للمال فقط، وابن الوطن يدافع بروحه للأرض التي ولد فيها.