على أجنحة الحلم حلقتْ وهي ترنو للمستقبل وتتمثل حلمها العريض بإعادة أمة "اقرأ" للقراءة، ثم غزلت حلمها في قلوب صديقات لها، ومدت لهن حبل الفكرة ليتعلقن بها ويجتمعن حولها ويبادرن بالتنفيذ فمشوار الألف ميل يبدأ دوما بخطوة مبادرة.

وبين دفتي كتاب يختبئ عالم حافل بالأسرار ينتظر قارئا ذكيا يلج أبوابه ويفتح مغاليقه، ويطلق سراح أفكاره متلقيا لها ومتفاعلا معها ومضيفا لها من ذاته وخلفيته، فالقراءة فعل إبداعي يوازي فعل الكتابة والخلق.

حلمتْ وحلمن معها أن يساهمن في نشر ثقافة القراءة، وأن ينثرن بذور الثقافة والمعرفة حولهن وصولا لصناعة تغيير حقيقي يحرك الراكد ويثير الأسئلة المحرضة على التفكير؛ إيمانا منها بأن الكتب والأفكار قادرة دوما على رفع الناس فوق أعناقها لتخرجهم من ضيق الرؤية ومحدودية الأفق إلى رحاب عوالم لا يحدها مدى أو حدود. وقد أزعجها أن ترى بنات جيلها منصرفات عن الكتب وعوالمها، للسطحي والقشوري من الانشغالات فقررت مع صديقاتها ألا يكتفين بالتحسر والاستنكار، بل يبادرن بكسر جدار السلبية والقيام بفعل إيجابي يحاول قيادة دفة التغيير؛ على الأقل في مجتمعهن المحيط بهن.

بدأت الفكرة بحلم أمسكت أطرافه عشر شابات، لم يغلقن أعينهن على خيالاته بل أطلقن عقاله، لترعى اجتماعهن التأسيسي مؤسسة المدينة المنورة لتنمية المجتمع، لتنطلق الفكرة ويتضوّع عبقها الجميل في المجتمع المدني، صانعة حركة ثقافية نسائية لافتة جديرة بتسليط الضوء عليها.. فما أحوجنا إلى الأفعال الإيجابية التي تخرجنا من أفلاك رثاء الذات والتباكي على أمة "اقرأ" دون القيام بعمل حقيقي يستنهض الهمم ويحرض على المحاكاة. لتلتف اليوم حول النادي بعد حوالي السنتين من تأسيسه أكثر من أربعين سيدة وفتاة من أعمار ومشارب مختلفة. تجتمع عضوات النادي دوريا في أماكن مختلفة بالمدينة المنورة لمناقشة فكرة كتاب جديد يتم الاتفاق عليه مسبقا، وبينما تقوم اثنتان أو ثلاث من المجموعة بقراءة الكتاب وطرح أفكاره، يشترك الجميع في التفاعل والنقاش تطلعا لهضم الأفكار وتمثلها. ويوفر النادي نسخا من الكتاب المقروء لمن ترغب في المزيد من الاطلاع والتعمق في الكتاب. لم تكتف حالمات "نادي فكرة كتاب" بحلم نشر ثقافة القراءة، بل امتد حلمهن للتأسيس لثقافة الحوار في مجتمعنا؛ وزرع أدبيات تقبل الاختلاف في الرأي؛ وإعادة الحياة لأدب المساجلات، وإقامة حوارات حول التحولات الاجتماعية أو بعض الظواهر السلبية في المجتمع انطلاقا من وصف الأعراض أملا في التمكن من الوصول إلى حلول؛ وإن بدأت بالدائرة الصغيرة الملاصقة لكل منهن. ويعرض النادي في جلساته الدورية أيضا أفلاما ثقافية ووثائقية، وينظم للقيام برحلات جماعية للتعرف على آثار ومعالم المدينة المنورة التاريخية والمناطق القريبة منها.

أجمل ما في النادي أنه عمل جماعي يتماسك فيه الجميع كالبنيان المرصوص، ويضرب مثالا حيا على التعاضد والتكاتف بعيدا عن الأثرة والأنانية، حتى إن صاحبة الفكرة الأولى ترفض نسب الفضل إليها، مؤكدة أنهن فريق عمل لا تتمايز فيهن واحدة عن الأخرى.