تستغرب من بعض التحليلات والأفكار السطحية لبعض مفكري الغرب، والجهل الكبير الذي تتضمنه معظم كتاباتهم، وتستغرب عدم الموضوعية في البعض الآخر. ومن ذلك ما كتبه الصحفي هيو نيلر مراسل صحيفة الواشنطن بوست في بيروت بتاريخ 9 أبريل 2015 محذرا السعودية ودول التحالف من أن تكون اليمن فيتنام السعودية، وهو بذلك يشير إلى تورط الولايات المتحدة الأميركية في الحرب على فيتنام لأكثر من عقد من الزمان والتي انتهت بانسحاب الولايات المتحدة من فيتنام في عهد الرئيس نيكسون عام 1973.
ونستغرب هذا الجهل الكبير في التشبيه بين ما تقوم به دول التحالف في اليمن وبين حرب أميركا ضد فيتنام.. فالمملكة العربية السعودية في موقف دفاع عن أمنها وحدودها بينما الولايات المتحدة الأميركية لم تكن سوى معتدية على فيتنام، السعودية تشترك في حدود طويلة ووعرة مع اليمن بينما نعرف المسافة الشاسعة جداً بين الولايات المتحدة وفيتنام. السعودية تستجيب لنداء حكومة شرعية تم إخراجها من الحكم ومن العاصمة وسجن رئيسها وسجن رئيس الوزراء وطُرد الوزراء من الحكم بقوة السلاح من عصابة مسلحة معتدية ومدعومة من قوى خارجية.. هذه العصابة استولت على القصر الرئاسي ومقرات الحكومة وقتلت المواطنين في الشوارع، واستولت على كل مؤسسات الدولة المالية والعسكرية وأرادت الحكم بالقوة ثم اتجهت إلى الجنوب لتقصف القصر الرئاسي الموجود فيه الرئيس الشرعي وقال علي عبدالله صالح المتحالف مع هذه العصابة: ليس أمام الحكومة إلا طريق واحد للفرار: طريق البحر في إشارة لاستيلائه على كل المنافذ بقوة السلاح.. فأين وجه الشبه الذي تعرضه صحيفة الواشنطن بوست وكاتبها؟
ونسأل هنا: من الذي يقتل في اليمن؟ ومن هم الذين يتم قتلهم؟ المملكة لا توجد في جنوب اليمن، الموجودون هناك هم الحوثيون وجنود علي صالح.. والذين يقتلهم هؤلاء هم يمنيون. ونسأل أيضا هيو نيلر كاتب المقال ونسأل "الوشنطن بوست": لو أن ما جرى في اليمن كان قد حصل في المكسيك فكيف ستتعامل الولايات المتحدة معه؟ هل ستنتظر الولايات المتحدة إلى أن تسيطر أي عصابة مجاورة على جوها وبحرها وبرها ويتم دعمها من الخارج بالعتاد والمال والمجندين والتدريب لغزوها واحتلال أراضيها؟ هل هذا من الذكاء والحكمة؟ أم أنه الجهل بالظروف والملابسات والسطحية في معرفة ما يجري؟ أم أن ذلك عداء متعمد لبلادنا يمارسه الكاتب لتشويه صورتنا أمام العالم كما تفعله بعض وسائل الإعلام المعادية؟
المملكة -وعلى مدى تاريخ علاقاتها مع اليمن- تمد اليمن بالمال وتبني المدارس والجامعات والطرق والمستشفيات. بينما من يمد عصابات الحوثيين عقدوا الصفقات والرحلات الجوية والبحرية لمد تلك العصابات بوسائل الخراب والدمار والحرب والتخلف. في السعودية حوالي ثلاثة ملايين عامل يمدون أقرباءهم بتحويلات يومية تقوم عليها حياة الملايين في اليمن كما حدثني أحد الإخوة اليمنيين المثقفين في المملكة. السعودية طيلة تاريخها تسعى للحفاظ على الود وحسن الجوار والتقارب مع اليمن، حتى قبل أن تضطر لشن الحرب كانت تدعو الحوثيين للحوار في المملكة أو في قطر وحاولت تكرارا.. إلا أنه "ما دون الحلق إلا اليدين" كما يقول المثل.
ليعلم هيو نيلر أننا في السعودية اضطررنا للحرب ولم نسع لها كما فعلت أميركا في فيتنام، وأننا ندافع عن أمننا وحدودنا ونستجيب للشرعية التي نادتنا، وكل ذلك للحفاظ على أمن اليمن واستقراره. ونقول للكاتب إن من طرد الشرعية في اليمن من الحكم هم عصابة قليلة العدد تقّوت بالدعم الخارجي وتعمل ضد مبتغى وإرادة أكثرية الشعب اليمني. وأن هذه العصابة تعمل لحساب قوى خارجية معروفة الأهداف وواضحة المسالك، فهل يريدنا الكاتب أن نقف مكتوفي الأيدي حتى تتقوى تلك العصابة وتستولي على البحار والأجواء والبراري ثم نصل إلى مرحلة يصعب معها الدفاع عن أمننا وأمن اليمن وشرعيته؟ هل هذا من الفطنة والذكاء؟ وهل هذا الوضع يشبه الوضع في فيتنام؟ أم أنه الجهل والسطحية في معرفة ما يجري؟ أم أن الأمر لا يتعدى محاولات التشويه الرخيصة فقط؟