على شاشة التلفزيون اللبناني الرسمي خرج سماجة السيئ حسن نصرالله ليشتم ويتهم ويزايد على بلادنا، ولم يكن مستنكرا منه ذلك، بل على العكس كان سيحدث الاستغراب لو حدث منه خلاف ذلك.
لكن ما لم يكن له ضرورة – في ظني- أن يخرج وزير الإعلام اللبناني ويعتذر للمملكة على هذا التجاوز وهذا التطفيف من رئيس فصيل حزب الله، والوزير يعلم يقيناً أن لبنان - ككل - مختطف من هذه الميليشيا الحزبية الطائفية، ثم يعلم أخرى أنه مجرد وزير في دولة يحكمها حسن نصرالله بالنيابة عن المرشد الأعلى لإيران، وبالتالي فليس في يد الوزير إلا "الطبطبة" على أكتافنا حتى نرضى.
مشكلة إخواننا عرب الشمال أننا نتغافل دائماً عن استعلائهم ونغض الطرف عن تجاوزاتهم الصبيانية، فيظنون أنهم جماعة من الأذكياء أهل الأمجاد والحضارة في مواجهة ثلة من البدو الطارئين على سطح الكرة الأرضية، كأنهم نخلة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ونحن نبتة فطرية خرجت فجأة مع سحابة ماطرة، ومثل تلك التقيحات خرجت أيضا للعلن في قناة mtv في حوار فضائي عن العاصفة مع الزميل جميل الذيابي وأحد هؤلاء المحتقنين تجاهنا، وهو ممن يسبّحون بحمد المرشد الأعلى بكرة وأصيلا، ولهذا أتمنى أن نحزم أمرنا هذه المرة ونقرر نحن شعوب المملكة ودول الخليج العربي التخلي عن المساكنة والطأطأة، لأنها فهمت على غير ما نريد، فأصابتهم بهذا الاستعلاء الذي لا مبرر له.
إننا عندما نستنكر ونضحك كثيرا من بعض الفهم السقيم والتصوير الساذج لشخصية العربي من قبل الإعلام الغربي فمن باب أولى أن نرفض ونشجب ونسخط على هذه النظرة الفوقية الاستعلائية التي نشمها، بل ونسمعها من هؤلاء الذين فتحنا لهم بلادنا وخزائن أموالنا ندعمهم، ولا نشتريهم ثم علينا أن نقول لبعض الذين يشعرون بنقص عروبتهم وينحازون أحياناً إلى "الفينقة" إنهم أحرار في اختياراتهم، لكن نرجوهم ألا يزايدوا على عروبتنا ولا على إسلامنا، فنحن مهبط القومية، ومأرز الدين، كما عليهم أن يعلموا أن أمجاد التاريخ العربي والإسلامي قد هاجرت من هنا، ونشرت في كل الأرجاء رسالة الإسلام والسلام.
ثم علينا أن نعلم كل هؤلاء المختطفين من حزب اللات أننا نحن الذين صنعنا بإرادتنا هذه التنمية في المملكة، وفي دبي، وفي الدوحة، وفي الكويت ومسقط والمنامة، وأننا نتمدن ونتطور ليس بسبب البترول الذي يثير حنقكم، ولكننا نتطور لأننا قد أحسنا إدارة هذه الثروة بما يعود بالنماء على دولنا وشعوبنا، وأن الإنسان لا يحيا بالبترول، ولو كان ذلك كذلك لتغير الحال إلى الأحسن في العراق وفي الجزائر والسودان، ثم علينا أن نخبرهم أننا نتذوق حضارة الحمص والتبولة، ونشاهد ستار أكاديمي وكل برامجهم الترفيهية والفنية وإن كانت لا تصنع مجدا ولا تعلي سناماًَ.
ثم على كل إخواننا "الفينيقيين" أن يعلموا أنهم كانوا مجموعة من الهمج خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت ستة عشر عاما ذهب ضحيتها أكثر من 150 ألف لبناني قتلوا بيد اللبنانيين أنفسهم الذين كانوا خلال الحرب ينزلون إلى الشوارع من الصباح وحتى المساء حالهم كحال القاعدة وحزب الله وداعش يحملون أسلحتهم ويتقاتلون بالكلاشنكوف والآر بي جي. وهكذا تقسموا شيعاً وأحزابا وطوائف فصدق فيهم قوله تعالى "فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون". ومن هنا تحولت مدنهم إلى برك من الدماء والأشلاء والأنقاض، ولن تفلح في لجمهم كل الوساطات الدولية والإنسانية حتى أذن الله فتدخلنا نحن "البدو" وأوقفنا هذه الجاهلية عبر اتفاق الطائف، وأعدنا فوق ذلك إعمار ما قوضوا وبناء ما هدموا وتطبيب ما أمرضوا، هذا قبل أن يعودوا للانتكاس ويؤجروا زمام دولتهم ومسؤولية إدارتها إلى دولة أخرى، ولا بد من تذكيرهم بأن اقتصادهم قد ازدهر من خلال استثمارات الخليجيين العقارية واصطيافهم هناك.
هل يبدو من كلامي أنني ساخط؟ أجل لا بد أن يبدو سخطنا ظاهرا حتى يعلم كل مستعرب أن الحضارة ليست في اكتساب المظهر الغربي ولبس الجينز والميني جيب والتلمظ بعدد من المفردات الفرنسية! أو الذوبان القشري والشكلي المسطح في الشخصية الغربية دون الامتلاء بمضامين التحضر الحقيقية، وعلى هذا المستعلي قبل رجم الآخرين أن يصلح بيته الداخلي الذي صار بلا رئيس، بل أصبح يدار بواسطة ميليشيا إرهابية تتلقى أوامرها من قم وليس من بعبدا.
نعم أنا ساخط وحانق لأنني أكره الجحود، وأحتقر الاستعلاء وأبحث وغيري من أبناء الخليج عن الاحترام والامتنان مقابل الإعمار ومقابل الهجرات المتوالية على بلادنا للعمل فيها، كما أنني لا أنتظر بالمقابل أن يغضبهم كلامي هذا، لأنني محب وناصح لهم ولأنني تحاملت على تجاوزاتهم وفوقيتهم كثيراً حتى فاض صبري، لكن إن كان كلامي قد أغضبهم فعلي أن أعتذر لهم كما فعل وزير إعلامهم وأقول لهم جميعا: "بدكن ما تآخذونا".