ىأما الثور الذي أعنيه بعاليه فهو الطفرة، وأما قصة الثور فتختصرها حكايتنا الشعبية التالية التي تحولت إلى مثل مضروب: ففي إحدى قرانا الجبلية ظل ـ أحدهم ـ يراقب ثوره الضخم أسبوعاً فيما الحمى تنهش الثور وتذيب شحمه حتى بدأت عظامه تظهر للعيان. كان الثور يموت بالتدريج ويومها كان الثور ثروة قرية وكان حكماء الجماعة يلحون على صاحبه أن ينحره حلالاً قبل أن يموت ليقتسموا لحمه ويساهموا في شرائه على الأقل تخفيفاً للمصيبة. وكان صاحب الثور يرفض كل العروض حتى اكتشف أن الثور مات في صبيحة اليوم السابع. ومن كل هذا الثور الذي لم يستغله صاحبه في شيء، لم يبق إلا الجلد الذي سلخه وحوله إلى أحذية تكسو كل أقدام عائلته وكلما سأله أحد عن فردة حذاء من تلك التي يشاهدونها في كل قدم كان صاحبنا يقول بالحرف (ثبَّتها الله يوم مات الثور، حطينا جلده زمايم). أي أن المسألة لم تكن حظاً أو اجتهاداً ولكنه توفيق من الله أن ألهمه لدباغة الجلد وهو الذي كان يستطيع أن يضع في جيبه كامل قيمة الثور.

وصاحبنا لم يورث لنا مجرد مثل شعبي، بل معادلة اقتصادية وتنموية مذهلة. أن تتلذذ بالخسارة لترضى بالهامش بدلاً من المتن. أن يتحول الثور إلى مجرد أحذية. الثور الذي نتحدث عنه هو في البقايا الهامشية التي تلدها كل الملايين فلا يبقى منها في الواقع إلا ـ الزمايم ـ في مئات الملايين التي نضخها في مشاريع الطرق ثم نكتشف أن الطريق الضخم على ورق الترسية لا يختلف عن طرق المزلقان أو الطرق الزراعية. في ملايين الريالات على مناقصة المستشفى ثم نكتشف أن المبنى مجرد هيكل خرساني يحتاج لثور جديد حتى نكسوه بالأجهزة. في ملايين الترسية على الأجهزة المختلفة للتوريد إلى مختلف الجهات والإدارات بأرقى المواصفات العالمية ثم تنقلب هذه الأجهزة إلى تجميع في دبي من حراج تايوان والصين. من عشرات الطائرات التي نشتريها من مصانع الدنيا ثم نكتشف أن حمولتها كلها لا تزيد عن ألف مقعد في اليوم الواحد. من عقود المباني التي نضخ فيها الملايين ثم نكتشف أنها لا تحتمل الوقوف أمام قطر سحابة. من مشاريع المياه التي ترسو بالملايين ثم نكتشف أن ـ الماسورة ـ وحدها تهرِّب ثلث المياه المتسربة.

أخيراً: ثبتها الله يوم مات الثور حطينا جلده زمايم.