قبل عام ونصف العام من الآن، شيخ عراقي يبيع في بقالة في محطة قطارات لندنية حدثني بلغة أجهلها، فرددت عليه بأني من السعودية، دهش قليلا ثم أشار إلى زجاجة الماء وهي بـ55 بنسا وقال: لأنك سعودية الماء بباوند! نظرت نحوه بدهشة وتركت الزجاجة له ومضيت؛ فلحق بي قائلا بلهجته: "أمزح معك!". توقفت وعدت إليه لأخوض معه حوارا قصيرا حول "داعش" و"القاعدة"، وضح معه أنه لا يعلم أن سيد القاعدة الظواهري في إيران، وأن من قبضوا عليهم من صبية داعش مراهقون سعوديون لا يمكن أن ترسلهم السعودية لتنفيذ مخططاتها، وأن "داعش" كان وبالا على الثورة السورية التي تدعمها السعودية، كما أن أهم ضحايا "داعش" هم شيوخ السنّة ورجالها، وكل هذه أدلة على أن من السخف اتهام المملكة بإزعاج جيرانها، فكيف وهم أشقاء؟
لا أعرف ما إذا كان الشيخ العراقي قد اقتنع، لكن على كل حال هذه النظرة نحو بلادنا لم تكن خاصة بالشيخ العراقي بل أصبحت مفضلة لدى الإعلام العربي، وتبعه الإعلام الغربي الذي انتقلت إليه عدوى الغيظ من نجاحات المملكة وثباتها على أصول وقواعد دينها، وهي حقيقة لا يستطيع إنكارها المتابع لهذا الإعلام الذي يتجاهل نجاحات المملكة وتقدمها في حقوق الإنسان ويركز على قضايا هامشية لا يخلو منها بلد.
في نفس الوقت طفق الإعلام السعودي في الانشغال بتفسير ظاهرة "داعش" ولوم بعض السعوديين على وجودها، بل قدمت برامج تؤكد أن النبت الشيطاني الداعشي ولد وترعرع في السعودية، وتلك كذبة أثبتتها المراكز البحثية الكبرى التي تناولت "داعش" وأشارت إلى كونه تنظيما استخباراتيا منظما له مقاصده وأهدافه وليس منها نصرة الإسلام، كما أن أولادنا الذين خرجوا من السعودية كانوا في غالبهم مراهقين ولم يكن أي منهم من قيادات "داعش" كما أثبتت التقارير، فلمَ تدافع عن نفسك في وقت وجب عليك أن تهاجم؟ لمَ تؤكد تهمة ظالمة وبلادك هي المتهمة؟ لكنه الإعلام الذي لا يقرأ المشهد جيدا ولا يعي أن بين السطور أكثر من نية وغرضا يلتقم الطعم ويصبح سيفه مسلطا على وطنه!
إن كل ما سبق جعل صورة المملكة في العامين الماضيين تتعرض لظلم شديد، خاصة مع انتشار الكاذبين في تويتر وكثرة متابعيهم، وتلك اللغة التي يتبعونها والتي تغري بالتصديق ليشك الناس في أوطانهم، حتى قررت البلاد التي لا تتحدث عن فضلها وقوتها وعظمتها كثيرا أن تقلب الوضع بفعل يحيطه الصمت ليحول كل اللاعبين في العالم الفاسد إلى متفرجين ينتظرون متى يرجمهم الصقر السعودي.
عاصفة الحزم ليست حربا على الحوثيين وإيران فقط، بل هي حرب على الهزيمة النفسية التي عاشها السعوديون والعرب والمسلمون في كل مكان، لذا لا تتعجب إذا صافحك عربي في الطريق وقال: أعاد الملك للأمة عزها، أو وضع مسلم من الباكستان علم المملكة على كتفه وأقسم على حمايتها.
لقد أعادت عاصفة الحزم الأمور إلى نصابها، وما صراخ خامنئي وروحاني إلا على قدر الألم، فحلم وضع المملكة بين كماشتين انتهى إلى كابوس وجودهم هم بين كماشتي الخليج وباكستان.
بل إن عاصفة الحزم لم تعد الفرس إلى مكانهم الطبيعي وتوقظهم من أحلامهم فقط، بل حتى السنّة الذين يعانون في العراق بدأت منافع عاصفة الحزم تصلهم، فها هو العبادي رئيس وزراء العراق يوقف الميليشيات ويرفض الطائفية، وهم الذين لطالما أحرقوا قلوب أمهات سنّة العراق، أضف إلى ذلك ما أعلنه الثوار في سورية من أن عاصفة الحزم رفعت معنوياتهم باعتبار ما حدث هزيمة لإيران التي ما فتئت ترسل وحوشها الضارية ليسفكوا دماء الأطفال السوريين كل يوم.
إن أولئك الرجال والنساء الذين يتظاهرون مؤيدين للعاصفة في لندن وواشنطن ونيويورك وباريس وعدن هم أولئك الذين أعاد لهم الملك سلمان كرامتهم وسيعيد إليهم بلادهم، وهذه هي السعودية في صورتها الحقيقية، رسول حياة للعالم لا موت، والحياة كانت تحتاج لعاصفة الحزم حتى تعيد الأمور إلى نصابها.