ألوم صنعاء.. يا بلقيس.. أم عدنا؟!

أم أمة ضيعت في أمسها يزنا ؟!

وأمـة عجبا... ميلادها يمن

كم قطعت يمنا... كم مزقت يمنا

بلقيس!... يقتتل الأقيال فانتدبي

إليهم الهدهد الوفى بما أئتمنا

قولي لهم: "يا رجالا ضيعوا وطنا

أما من امرأة تستنقذ الوطنا"؟!

غازي القصيبي

السياسة فن ترويض الذات قبل الآخر، بمعنى أن الحكومات تمتلك القدرة على اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، لإعادة ترتيب الأوراق وفق أبسط قوانين البقاء، وأعني استخدام القوة عند الضرورة أو التنازل عندما لا يكون التنازل مضرا بالمصلحة الوطنية.

دعونا نغرِّب قليلا وننظر للسياسة الأميركية الخارجية في محيطنا الشرق أوسطي وما حققته في عهد أوباما صاحب شعار "نعم نستطيع" الذي أطلقه أول عهده. فبقراءة سريعة لتاريخه نرى أن أوباما تقارب مع العالم الإسلامي تقاربا شديدا خاصة بزياراته المتكررة والكثيرة لدول المنطقة، مع أن أميركا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي أحدثت خللا كبيرا في العالم إلا أن عهد أوباما كان أشد تلونا خاصة في مجال العلاقات في الشرق الأوسط، وعلى سبيل المثال مواقفه الأخيرة من المملكة وإيران والكيان المحتل، فرغم أن دعمه لبقاء وحماية إسرائيل ظاهر من أول عهده لكن وقد شارف عهده على النهاية يدور ببالي سؤال: ما الذي استطاع فعله رئيس أكبر دولة في العالم في محيطنا العربي والإسلامي؟

بأبسط تعبير، أصبح محيطنا غير آمن، خاصة في العراق والشام، وازدادت الانقسامات السياسية وتغيرت الخارطة البشرية الجغرافية، فالسوريون والعراقيون متناثرون فرارا من أهوال الحرب والتفجيرات والقتل في كل مكان وآلاف من العرب ومختلف شعوب العالم في سورية والعراق!

والسياسة المتذبذبة تشبه الدواعش الذين يحطمون الأصنام في الظاهر ثم يبيعونها خفية كما ورد في تقرير لـbbc قرأته أمس!

وبينما تضرب عاصفة الحزم ذخيرة أعداء أنفسهم، المأجورين ضد أوطانهم، تتوجه أسلحة الحوثيين والقاعديين نحو أبناء وطنهم فقد يلتقي الحوثي بالقاعدي وتجمع بينهما أواصر الرحم ولا يتورع أحدهما عن توجيه سلاحه لقريبه ولو كان خاله، وما ذكرته وقع في اليمن مؤخرا وتم تناقله كما سبق ووقع بين القاعديين والدواعش العرب في سورية ولم يكن محض خيال!

ومع الحروب تنبري الأقلام للدفاع عن الأوطان أو مهاجمة الأعداء، ومعها يعيش الجميع في حالة توتر، القريب والبعيد. الحروب تعيد خلط الأوراق وتوزيعها، وقد يتطاير بعضها قبل التوزيع!

لو تخيلنا أن كاتبا أسبوعيا يكتب سياسة أوباما في الشرق الأوسط بشكل عاطفي مؤيدا له ومتتبعا كل خطاب له وكل تحركاته وجمعنا مقالاته في كتاب واحد لاتهم الكاتب بالجنون ممن يقرأ الكتاب، لأن السياسة ببساطة متلونة بتعقيداتها!

هناك من يسأل أين بعض الكتاب العرب مما يجري من أحداث آنية ولماذا لم يعلنوا رأيهم بشكل مباشر ولو بتغريدة؟ وهناك من يتهم الكتاب بالجبن حين يصمتون أو من يتهمهم بالتلون أو تغيير الوجهة حين يدافعون عن سياسة أوطانهم، فيبقى الكاتب هدفا لا يسلم من أن يصيبه رام ولو بالخطأ!

الواقع أن الكاتب في الحرب غير الكاتب في السلم، ففي السلم قد يميل لكتابة أدبية وفنية مسالمة جدا أو قد يكون ممن يوجه نقدا لتقصير بطريقة حادة، أما الحرب فتستدعي الوحدة لا الفرقة، الاجتماع لا الاختلاف، وهذا ديدن من يتبعون أوطانهم ومصالحها، ولكن هل نعتبر الكاتب هنا حرا ومستقلا؟ هذا السؤال يستدعي أن ننظر للمحيط الكتابي الذي نعيش فيه اليوم، فهو في أميركا مثلا محكوم لليهود سادة الإعلام ورافعي شعار العداء للسامية لمن يخالفهم!

أما الوطن العربي فهو بين كاتب مأجور مرتفع الصوت يُزيِّفُ الحقائق ويؤلف الحجج والبراهين من مخيلته على صدق ما يقول؛ وبين كاتب صادق منخفض الصوت يقول ما عنده بصدق وأجره على الله.

النوع الثاني هو النوع المستحق للاحترام لأنه لو اختلف معك أو مع سياسة بلدك ولو بحدة فهو يخالفك لوجهة نظر شخصية، ولإيمان صادق عميق ينبع من داخله ويعبر عنه. المشكلة في النوع الأول سواء أكان موجها لخدمة حزب أو فرقة، والمحزن أن أظهر الأسماء في تاريخ الكتابة في العقود الأخيرة من الفريق الثاني. الكاتب المأجور صاحب قضية خاسرة ولو كان مؤيدا لأفكارك فهو يعرضها دون قناعة حقيقية، وهو حاضر على مدار الساعة مستنزف المشاعر لا يملك إلا قوالبه الجاهزة للتشكيك والتخوين والعمالة، ولو حاولت محاورته ستفشل فهو أشبه بمحطة بث إذاعي ترسل ولا تستقبل! ومثل هذا النوع من البشر يحتاج أن نواجهه ونوجهه بنبرة حادة تفوق نبرته الكاذبة وتطيح بها.

أخيرا الكاتب ليس قائد جيش، ولا تنتظر الجبهة توجيهاته، ولا تقوم الحروب بين الدول بسبب مقال -على حد علمي- وما يطرحه أي كاتب مجرد رأي يحتمل الخطأ بالدرجة التي يدعي فيها الصواب، لكننا في البداية والنهاية نقدم دعما لكل الأحباب من ساسة الوطن ومن جنود في دباباتهم وطائراتهم وثكناتهم العسكرية، ونقول لهم: أنتم الزمن.. أمسنا ويومنا وغدنا.. فلكم كل التقدير، خاصة أولئك الذين عطروا الأرض بدمائهم الزكية.