في جازان يسعدك الارتحال والتجوال ما بين الملموس والمرئي، وفسحة التجليات وثراء الحياة، والملكات الفكرية ودلائل الإعجاز، وذلك لما يصنعه هذا الكائن البشري من مدارات وتحديات وتنصيب للذات النضيرة والمشعة. هناك جامعة تتنفس داخل النسيج المجتمعي فكريا وروحيا وجماليا، لتثمر ملكات عقلية واستفاضات متعالية ومواريث قيمية وعلمية، وتجارب منفتحة عبر مفاهيم وتحولات ومنظومات تؤسس لمقاصد مستقبلية، ومكامن بنائية تعود على الوطن والأمة بمطارح ومساقات تاريخية متألقة، وذخائر معرفية ووعي إنساني منفتح. ورغم الانشغالات وتوترات الإعداد لحفل "عاشر" يليق بتراتيل الفرح وقصبات النجوم وأسراب الغيوم المذهبة، كان الوفاء حاضرا يلامس المشاعر كعبير الطفولة وصمت الملائكة، كان يسير في ممرات الجامعة وحقائب الطلاب ودفء الجدران ومرايا البحر الهاجع إلى جوارنا. كان معالي الكيميائي الساحر "محمد آل هيازع" كما نعته "موسى محرق" بصوته الرخيم ولغته الضوئية يجلس بيننا -رغم غيابه- كطعم الطمأنينة ورائحة البرية في اليوم المطير. كانت الشاشة تنثر ثمراته وسلاله المليئة بالعطاء والتضحية، ليشعل المصابيح على تراب هذه الفاتنة "جازان"، ولتموج شرفاتها بأعراس السنابل، وليتنفس الوطن برئة هذه الأجيال السعيدة. كنت أتابع الحفل بذهول وفرح والوطن يسكن حناجرهم ويستوطن أرواحهم فيصرخون بالمواويل المديدة والراقصة مع انحناءة أجسادهم أمام الراية الخضراء كلما لمعت على الشاشة المرصعة بالانتصارات وتلويحة الكبرياء، وكلما انسرب صوت بهي محلى بكلام عذب وشاعرية مصهورة بالامتلاء، تجيد صناعة البشارة وحرير العشق المصبوب كبوح النوارس، وقيادات تقف في مهب النور لتمنح أبناءنا الحكمة والسراج ومحابر الوعي، وغناء الأرض المطمورة في ترائبهم والمحفورة في عروق مشاعرهم وقمصان أحلامهم. كان الحصاد مبهجا ومورقا وجسورا، وهو يلامس الجباه كلون السماء وأمطار السواحل، ويهبط على تلك الوجوه الطافحة بالغبطة والدهشة الصاعدة من عروة القلب وذاكرة الأيام. في كل عام تضيف هذه الجامعة لسجلها المضيء وصندوقها الأبيض كل هذه المنجزات والمفاجآت والتطلعات، لتعزز مكانتها وريادتها منطلقة من حواضنها المستزرعة داخلها، وممهورة بتوقيع قياداتها بكل ما يمثلونه من قدرات وملكات وحضور تاريخي في مشهدنا العلمي والأكاديمي. إنها جامعة المؤتمرات والملتقيات والمواسم الثقافية والشراكات الخارجية، ومراكز الأبحاث ومعارض الكتب وحلقات النقاش، والدورات التدريبية وورش العمل والأندية الطلابية. إنها جامعة المسرح والشعر والفولكلور والصحافة والإعلام، والسياحة والتنقيب الأثري والبحوث الزراعية، حقا إنها جامعة الأمل وقنطرة المستقبل.