أعترف أنني منذ ليل السادس والعشرين من مارس أعيش حالا من العصف الذاتي، من أسئلة وإجابات وافتراضات ومراجعات ومتابعات. وفي كل الحالات لم أستطع أن أحدّد مفاعيل عاصفة الحزم مع عدم القدرة على تحديد زمن الحدث. هل هو نهاية زمن ما أو بداية زمن آخر؟ الذي جعلني أتجرّأ في الكتابة عن هذا الحال المرتبك أو التائه هو متابعتي للعاصفة الحدث وعلى مدار الساعة وبكل الوسائل المتاحة، وما أكثرها في هذا الزمن الذي نعيشه الآن..

أستطيع أن أجزم أن العاصفة الحدث هي مُعاشَة وبقوّة واتساع، إلا أنها غير مدركة حتى الآن، أي أننا نشعر بعمق بعاصفة الحزم، وأن مشاعرنا إيجابية. وربما نشعر بشيء من السعادة والمتعة نحن العرب أينما كنا وأيّا كان انتماؤنا أو وطننا وأيّا كانت مذاهبنا وطوائفنا وأحزابنا و قبائلنا، وحتى أيّا كانت أصولنا، عربا أو مستعربين، فالأول نسب والثاني خيار، وأنا لا أغالي إذ أعتقد أن الخيارات تكون أشد صلابة من الأنساب. وبذلك نفهم معنى كل من نطق الضاد، أي أن من نطق بالعربية هو عربي، وهو في حال من الحزم الآن.

هناك التباس كبير بين ما نشعر به وما نفكر فيه، لأن مشاعرنا يقظة وفياضة وعقولنا مكبّلة بالإحباط واليأس والهروب من الذات لكثرة الهزائم والنكبات والانتهاكات والاغتراب عن الذات. ونكاد نقتنع أننا فقدنا الأمل وربما فقدنا الحياة. وكنا نحاول أن نكون غيرنا في التفكير واللغة والأزمنة، البائدة منها أو القائمة، أي أننا قبل عاصفة الحزم كنا نعتقد أننا خارج الزمان.

أدرك بوضوح أن عاصفة الحزم وضعتني في مواجهة مع الذات. وأدرك أيضا أنها جعلتني أرى حطامي الشخصي وكأنني أنظر في المرآة، وأنا أتذكر جيدا كل تلك الإصابات البالغة التأثير على بنيتي الإنسانية، ذهنيا وعاطفيا. فأنا واحد من هؤلاء الملايين الذين عاشوا ذلك التيه الطويل، لا بل توارثوه وولدوا وكبروا والعرب من تيه إلى تيه، ومن عدو إلى آخر، ومن طامع إلى طامع، ومن كاره إلى كاره، ومن ضعف إلى ضعف.

الحزم يعني العزم، يعني الإحساس بالوجود الكامل غير المنقوص، أي أنني سيد نفسي أو لا أسف على نفسي. أي سيادتنا على أنفسنا أعزاء كرماء على أرضنا وناسنا، أي أننا مجتمعين يجب أن نكون أو لا نكون. وهذا يستدعي أن نفكر بعمق بمن نكون، وماذا نكتب كي نكون، أو بماذا نفكر وكيف نفكر بحزم وإدراك ومشاعر، وفي كل الأمور، علما وثقافة وعملا وتعليما وزراعة وصناعة وفنونا ورياضة وبيئة، وبالفقراء والأغنياء والمشردين، وبالمدن والقرى المدمرة والمجتمعات المفككة. وإذا لم يدخل كل عربي زمن الحزم يكون الحزم متعثرا.

إن دخول زمن الحزم هو ببساطة متناهية إعادة الاعتبار للذات والعمل على أساس "نعم إني أستطيع الدخول في المواجهة مع كل اعتداء". وهذا ما تقوم به عاصفة الحزم: مواجهة الاعتداء واعتباره عدوّا طالما هو في حال اعتداء ويتسبب بالدمار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والإنساني، ويُدخل المجتمعات في حال من النزاعات الطويلة، كما هو الحال في سورية والعراق، كما هو الحال في فلسطين وليبيا ولبنان. وإن كل تلك الأزمات تواجه مجتمعة في عاصفة الحزم في اليمن، لأنها تقدم نموذجا جديدا من التعامل مع الذات لدى دول التحالف العربي، ويشعر بنبضها كل العرب ضحايا النزعات في كل مكان.

الحزم لدى الذين اتخذوا قرار الحزم هو "اعقل وتوكّل". وهذا ما سمعناه من قادة الحزم جميعا وأنه خيار وحيد، وربما متأخر، ولكن أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا. ويجب أن نعترف أن قيادة الحزم صنعت زمنا عربيا جديدا، وهي مدركة له.. أي أنها تعرف ماذا تواجه ولماذا تواجه وتعرف أيضا الأثر الطيب لحزمها على شعوبها، أي أنها في المقدمة وهذا موقعها الطبيعي، لأن المقدمة هي حيث على القيادة أن تكون، وذلك أساس كل انتظام اجتماعي أو سياسي، أي موقع وجود الرأس الذي ينتظم على أساسه الجميع، من الدول إلى الأسر إلى الأفراد.

نحتاج إلى التفكير بعمق وأن نتجرأ على أنفسنا وندخل في حوار مفتوح، لأننا إذا أردنا أن يكون الحزم اتجاها ومستقبلا لدولنا ومجتمعاتنا فعلينا أن نسهم به جميعا، وأن نتلمس واقعنا وتحدياتنا لحظة بلحظة وتفصيلا تفصيلا، لأننا إن لم نعش الحزم وندركه فلن يتحول إلى زمن حقيقي نقدمه لأجيالنا، خاليا من خيباتنا وتيهنا.