متى تحقق عاصفة الحزم أهدافها؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الصحفيون بنفاد صبر غير واقعي. فالأهداف التي وُضعت لها بعيدة المدى تتعلق باستعادة الحكومة الشرعية القدرة على بسط سلطتها على الأراضي اليمنية كافة، واستئناف اليمنيين قدرتهم على ممارسة حياتهم العادية.
فعندما تم الإعلان عن عاصفة الحزم في 25 مارس 2015، وضّح البيان الصادر حينها تلك الأهداف، حين ذكر أنها جاءت استجابة لـ"لطلب فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية لحماية اليمن وشعبه العزيز من عدوان الميليشيات الحوثية التي كانت ولا تزال أداة في يد قوى خارجية لم تكف عن العبث بأمن واستقرار اليمن الشقيق".
وفصل البيان ذلك بأنه "استجابة لما تضمنته رسالة فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، من طلب لتقديم المساندة الفورية بالوسائل والتدابير اللازمة كافة لحماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية المدعومة من قوى إقليمية هدفها بسط هيمنتها على اليمن وجعلها قاعدة لنفوذها في المنطقة، مما جعل التهديد لا يقتصر على أمن اليمن واستقراره وسيادته فحسب، بل صار تهديدا شاملا لأمن المنطقة والأمن والسلم الدولي، إضافة إلى طلب فخامته كذلك مساعدة اليمن في مواجهة التنظيمات الإرهابية".
وكان الرئيس هادي واضحا كذلك في رسالته إلى قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتاريخ، حين طلب منهم "تقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة بما في ذلك التدخل العسكري لحماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي المستمر، وردع الهجوم المتوقع حدوثه في أي ساعة على مدينة عدن وبقية مناطق الجنوب، ومساعدة اليمن في مواجهة القاعدة وداعش".
وأوجز بيان القمة العربية المنعقدة في شرم الشيخ "29 مارس 2015" أهداف عاصفة الحزم بثلاثة هي: انسحاب الميليشيات الحوثية، تسليم أسلحتها للحكومة الشرعية، واستعادة اليمن عافيته ووحدته، إذ عبرت القمة عن تأييدها للعمل العسكري ومؤكدة أنه "سيستمر إلى أن تنسحب الميليشيات الحوثية وتسلم أسلحتها ويعود اليمن قويا متحدا". وبعد مرور أسبوعين من الحملة العسكرية، يمكن رؤية تطور إيجابي ملحوظ على المشهد اليمني عسكريا وسياسيا، ولكن لم يتم حتى الآن وقف اعتداءات الميليشيات الحوثية، أو انسحابها من المناطق التي احتلتها، ولم تعترف حتى الآن بالشرعية أو تقبل بالتوافق اليمني القائم على المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني. فما الخطوات القادمة في اليمن لتحقيق تلك الأهداف، إضافة إلى العمليات الجوية؟
من الواضح كذلك أن الضربات الجوية هي جزء من العملية العسكرية، كما يوضحه الناطق الرسمي لقوات التحالف، وأن العمل العسكري جزء من منظومة متكاملة تشمل العمل السياسي، والاقتصادي، والإنساني.
ففي المجال العسكري، ستكون الحملة الجوية في المرحلة القادمة أكثر تأثيرا بتسريع الإجراءات المتعلقة بتنظيم القوات اليمنية التي ما زالت تدين بالولاء للحكومة الشرعية، وهي تعد بعشرات الآلاف من الجنود المدربين، موجودة في مناطق اليمن المختلفة، ولكن قيادات بعض تلك الوحدات انضمت إلى الميليشيات الحوثية، مما يتطلب تعيين قيادات جديدة ومراكز للقيادة والسيطرة تنظم عمل تلك الوحدات.
وفي الوقت نفسه، هناك عشرات الآلاف من القوى القبلية العسكرية المدربة، واللجان الشعبية المسلحة والموالية للحكومة الشرعية، إذ أعلن كثير من القيادات القبلية المهمة والمحافظات وقوفها إلى جانب الرئيس هادي، ومن ذلك على سبيل المثال محافظة مأرب الاستراتيجية التي أعلنت أن لديها نحو 35 ألف مقاتل، على استعداد تام للوقوف في وجه الحوثيين وحلفائهم.
والتنسيق بين هذه القوى اليمنية الداعمة للشرعية والحملة الجوية مهمة كبيرة وصعبة ولكنها ضرورية، كي يتم ترجمة النجاحات التي حققتها الضربات العسكرية إلى حقائق على الأرض. ولكن العمل العسكري، الجوي والبري والبحري، ليس هدفا في حد ذاته، وليس سوى عنصر واحد في معادلة دعم الشرعية واستعادة الاستقرار والأمن في اليمن، واستكمال العملية السياسية فيها وفق المسلمات التي توافق عليها اليمنيون قبل الانقلاب الحوثي، وأيدها توافق إقليمي ودولي نادران.
وكما نذكر، فقد سبق أن أعلنت دول مجلس التعاون استجابتها إلى طلب الرئيس هادي المقدم في 7 مارس 2015 بعقد مؤتمر في الرياض تحت مظلة مجلس التعاون تحضره الأطياف السياسية اليمنية كافة الراغبة في المحافظة على أمن اليمن واستقراره.
صحيح أن الحوثيين أبدوا معارضتهم للمؤتمر، لكن بقية الأطياف اليمنية الفاعلة قد وافقت على المشاركة فيه، وبدأ بعضها بالتوافد إلى الرياض للتحضير له.
ويمكن أن يستطيع اليمنيون من خلال مؤتمر الرياض إعادة تأكيد توافقهم الذي سبق أن توصلوا إليه في المبادرة الخليجية التي مثلت عقدا سياسيا بين القوى السياسية اليمنية، وفي مخرجات الحوار الوطني التي مثلت عقدا اجتماعيا شارك في صياغتها جميع القوى اليمنية السياسية والاجتماعية.
والعنصر الثالث الضروري هو التنمية الاقتصادية، فقد توقفت عملية التنمية بسبب الاعتداءات والتهديدات الحوثية، وتوقف المساعدات الخارجية التي سبق حشدها للتنمية في اليمن. ويمكن توظيف هذه المساعدات لتنمية المناطق البعيدة عن النزاع والعمليات العسكرية.
والعنصر الرابع هو المساعدات الإنسانية، إذ أعاق الانقلاب الحوثي استمرار المساعدات الإنسانية، مما فاقم المعاناة في مناطق اليمن المختلفة التي كانت في أحسن الظروف ترزح تحت عبء الفقر والجوع، ولكن تدهور نظم السلامة الاجتماعية زاد من معاناتها.
وبتكامل هذه العناصر المختلفة، السياسية والاقتصادية والإنسانية، فضلا عن العمل العسكري المتكامل، جوا وبرا وبحرا، فإن اليمن يمكن أن يبدأ في قطف ثمار العمل المشترك بين الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي، والدعم الدولي، نحو استعادة الأمن والاستقرار في اليمن.