تعود مناسبة يوم الأرض الفلسطيني إلى الثلاثين من مارس 1976، حين هب الفلسطينيون داخل الخط الأخضر في الجليل والمثلث والنقب للدفاع عن أرضهم، ورفضوا القرارات الإسرائيلية، بمصادرة أراضيهم في منطقة عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وبلدات أخرى، لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية. ومنذ ذلك الحين أصبح الفلسطينيون يستعيدون ذلك اليوم كل عام، مستمدين روح ذلك الحراك تصميما على التمسك بالأرض والدفاع عن الحقوق المغتصبة.
كانت انتفاضة 1976 هي الأولى منذ قيام الكيان الغاصب في 1948. وقد نتج عنها استشهاد تسعة من المناضلين الفلسطينيين الذين اكتسبوا لقب "شهداء الأرض". وتضامن مع هذه الانتفاضة الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. ومنذ ذلك الحين أمسى تاريخ الثلاثين من مارس كل عام بالنسبة للفلسطينيين يوما للأرض.
في هذا اليوم مر يوم الأرض كئيبا وحزينا. فالاستيطان الصهيوني الذي كان السبب في الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أراضي 1948 تضاعف عدة مرات، ومعه تضاعفت الغطرسة والعنجهية الصهيونية. والنضال الفلسطيني الذي كان يؤمل فيه أن ينجز مشروع التحرير تراجع للخلف، بعد انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية.
واتفاق أوسلو 1993 الذي وقع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي أملت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن يؤدي في نهاية المطاف بعد خمس سنوات من توقيعه إلى تحرير الضفة والقطاع والقدس الشريف، تعطل لاثنين وعشرين عاما بسبب المماطلة والتسويف الإسرائيلي. والأرض التي افترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس تآكلت بفعل التوسع المستمر في بناء المستوطنات والمعابر والجدران العاجلة، بحيث لم يتبق منها سوى ما هو أقل من نصف المساحة الأصلية التي يفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية المرتقبة.
ورغم كل محاولات الكيان الصهيوني فإن هناك تطورات إيجابية ملحوظة في مواقف الدول الأوروبية التي أقدم عدد منها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأيضا في مواقف الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي اعتبر حل الدولتين سبيلا وحيدا لسيادة السلام في هذه المنطقة.
لكن فوز نتنياهو مجددا بالانتخابات واحتمال تشكيله قريبا للحكومة الإسرائيلية سيسهم في إعاقة قيام هذه الدولة، وسيضاعف من بناء المستوطنات بالمدينة المقدسة وبقية الأراضي المحتلة.
لقد حسمت السلطة الفلسطينية خياراتها في مواجهة تعنت نتنياهو بالعمل على مواصلة كسب المزيد من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، بحيث يصبح وجودها السياسي أمرا واقعا يصعب على الإسرائيليين رفضه. والتمسك بالقرار الصادر عن المجلس المركزي القاضي برفض التنسيق الأمني مع الإسرائيليين. وتصعيد النضال السياسي ضد إسرائيل من خلال محكمة الجنايات الدولية التي حظيت مؤخرا بعضويتها. والطلب إليها معاقبة إسرائيل بسبب ارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية. وسيكون عليها أيضا تحشيد الدول العربية والإسلامية للدفاع عن عروبة القدس ومطالبة العالم بالضغط على إسرائيل، وبشكل خاص الإدارة الأميركية، لتتوقف عن الاستمرار في بناء المستوطنات في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع.
وعلى السلطة الفلسطينية أن تتحسب لردود الفعل الإسرائيلية على هذه الخطوات. فليس من المستبعد أن تقوم حكومة نتنياهو باعتقال قيادات فلسطينية بارزة، من ضمنها شخصيات متنفذة بالسلطة. وأن يجري العمل على استبدال رئيس السلطة أبو مازن بشخص آخر يكون أكثر اعتدالا من وجهة النظر الإسرائيلية. ربما يتم التخلص من أبي مازن عن طريق الاغتيال المباشر، من قبل متطرف إسرائيلي أو على طريقة التخلص من عرفات. وسوف يتيح لها ذلك الانطلاق مجددا في المفاوضات مع الفلسطينيين من نقطة الصفر.
وليس بعيدا أيضا معاودة الحرب على قطاع غزة، باعتبار أن الحرب السابقة هي حرب لم ينتج عنها سياسيا ما يتسق مع الرغبات الإسرائيلية.
إن خطوات عاجلة مطلوبة بأقصى سرعة ممكنة من قبل القيادات الفلسطينية لمواجهة التعنت الإسرائيلي، واحتمال تفجر الأوضاع بالأراضي الفلسطينية المحتلة. لعل أهمها وحدة القطاع والضفة، باعتبارها ضرورة قصوى للتصدي لمختلف الاحتمالات، ومنها احتمال الانهيار الأمني في الضفة وحرب جديدة على القطاع. وتنشيط لجنة القدس. وبغض النظر عما إذا كانت هذه اللجنة ستتمكن من حماية القدس أم أن ذلك أبعد من قدراتها، فإن قضية إسلامية وعروبة القدس يبغي أن تكون حية باستمرار في المجتمعين العربي والإسلامي وفي المجتمع الدولي. فوجودها حية في الذاكرة مع احتلالها من قبل الإسرائيليين أفضل كثيرا من أن يطوي احتلالها النسيان.
كما ينبغي استخدام كل وسائل الضغط على الإسرائيليين للقبول بقرارات الشرعية الدولية. وهناك مناخ ملائم لتحقيق هذا الضغط، خاصة بعد المواقف الأميركية الأخيرة من تصريحات نتنياهو أثناء حملته الانتخابية، وآخرها تصريحات نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن التي انتقد فيها سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية، وطالبه بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة بالضفة الغربية وقطاع غزة.
يعول نتنياهو على عامل الوقت في التنصل من الاستحقاقات الفلسطينية. ويعتقد أن الإدارة الأميركية التي اندفعت بقوة في المفاوضات مع إيران حول الملف الإيراني لن تقدم على اتخاذ خطوة أخرى تغضب الإسرائيليين واللوبي الصهيوني في الداخل الأميركي.
وترى حكومة نتنياهو أن الولايات المتحدة سوف تنشغل بعد شهور قليلة من هذا التاريخ بحملة الانتخابات الرئاسية القادمة. وخلالها يتعطل التحرك السياسي الخارجي على كل الأصعدة. وأن إسرائيل سوف تتمكن من استثمار حملة الانتخابات التي تستهلك عاما كاملا، للعربدة أكثر ولفرض سياسة الأمر الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذه الرؤية تفرض تحركا سريعا وكبيرا من قبل القادة العرب، بما يؤمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ويعيد الاعتبار ليوم الأرض الفلسطيني.