وسط تقديرات غير رسمية ببلوغ معدل التوطين الوهمي في القطاع الخاص 50% من إجمالي الوظائف الموطنة، تنقسم مسؤولية ظهور وانتشار هذا السلوك بين صاحب العمل والموظف نفسه، على أنه سلوك غير أخلاقي يؤدي في نهاية المطاف إلى تحطيم مستقبل الموظف مهنياً، وتحميل المنشآت تكاليف معدمة، في حين أن التوطين الوهمي يعدّ تزويراً بحسب وصف وزارة العمل له، إلا أن مسألة اكتشاف هذا النوع من التوطين تظل معقدة، حيث إنها تتم بالاتفاق بين صاحب العمل والعامل في إطار عقد عمل رسمي.
وعلى الرغم من صعوبة اكتشاف هذه العلاقة غير الأخلاقية بين صاحب العمل والعامل، إلا أنه في حال اكتشافها تتخذ وزارة العمل الإجراءات النظامية والجزاءات الواردة في نظام مكافحة التزوير، والتي تصل إلى السجن من سنة إلى خمس سنوات، وغرامات مالية قد تصل إلى عشرة ملايين ريال، وكذلك العقوبات الواردة في نظام العمل والعقوبات الواردة في نظام التأمينات الاجتماعية.
المطالب التي فرضتها وزارة العمل ضمن برنامج نطاقات بتحقيق نسب توطين محددة لكل قطاع وفئة من منشآت القطاع الخاص، أدت إلى انتشار التوطين الوهمي، ما جعل عددا من أصحاب العمل يلجأون إلى توظيف سعوديين وتسجيلهم كموظفين لدى المؤسسة بالاتفاق على مبلغ مادي محدد عادة ما يكون ثلاثة آلاف ريال ليتم احتسابه بواحد سعودي صحيح في برنامج نطاقات، دون أن يؤدي المهمات الوظيفية التي ينص عليها عقد العمل، فضلاً عن أن كثيرا من المنشآت تعمل على توطين عدد من الوظائف لديها لدخول النطاقات الآمنة وتنفيذ ما تريده من خدمات لدى الوزارة، ومن ثم فصل الموظفين فور تنفيذ الخدمات، وإعادة توظيف آخرين في حال احتاجت تنفيذ خدمات أخرى لها لدى الوزارة.
من جهته قدر عضو جمعية الاقتصاد السعودية الدكتور عبدالله المغلوث في حديثه إلى "الوطن" نسبة التوطين الوهمي في منشآت القطاع الخاص، بنحو 50%، معتبراً أن إجمالي الرواتب المدفوعة للشباب والشابات في الوظائف الوهمية بلغت أكثر من 500 مليون ريال شهرياً.
وحول أسباب وجود التوطين الوهمي، أوضح المغلوث أن هذه النوعية جاءت بسبب أنظمة وزارة العمل التي فرضت على المؤسسات والشركات توظيف سعوديين لتحقيق المعدلات المطلوبة من التوطين في برنامج نطاقات، دون أن يكون لهم إسهام فعلي في المجتمع أو إضافة في الأعمال، مشيراً إلى أن نسبة من تم توظيفهم وهمياً يعدون طلبة بالجامعات والمدارس، أما البقية فهم عاطلون عن العمل ويحصلون على أجور وهم في منازلهم.
وذكر عضو جمعية الاقتصاد السعودية أن هذا النوع من الوظائف لا يخدم سوق العمل، ولا يفي بتحقيق رغبات المجتمع في أداء العمل أو الحصول على خبرة، معتبراً إياه فساداً، مضيفاً: "وباعتقادي فإن التوطين الوهمي كلف المنشآت كثيراً بدفع مبالغ باهظة لشباب لا يعملون، إنما هم مسجلون في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وبرنامج نطاقات، وهذا أمر يثقل كاهل القطاعات الأهلية كونها تدفع مبالغ من دون تحقيق أي مردود إيجابي، وذلك لمجرد أن تكون ضمن النطاقات الآمنة في برنامج نطاقات.
ودعا الدكتور عبدالله المغلوث إلى ضرورة إنشاء مؤسسة عامة للقوى العاملة، لكي يتم تسجيل جميع الشباب والشابات الذين ليس لديهم عمل، مضيفاً: "وبالتالي تسعى هذه المؤسسة إلى البحث عن وظائف لهم بشكل رسمي لدى الشركات والمصانع وغيرها، على أن تقوم المؤسسة بمراقبة العمالة الوطنيين في تلك الجهات، وإيجاد فرص وظيفية حقيقية يرتقي إليها الموظف السعودي وتكون ضمن مؤهلاته وشهاداته ومستواه حتى يتم تحقيق العدالة في التوظيف".
كما دعا المغلوث وزارة العمل إلى التعاون مع وزارة التجارة والصناعة لحث رجال الأعمال على إنشاء شركات عملاقة وكبيرة مدعومة من قبل الدولة والقطاع الخاص كي تسهم في مشاريع كثيرة تستقطب هؤلاء الشباب الذين هم فعلاً لا يرون لدى المؤسسات والشركات الفقيرة فرصة لهم للأمن الوظيفي، إضافة إلى إجراء مسح ميداني لمعرفة احتياج سوق العمل من المهن والتنسيق مع المصانع والشركات لمعرفة الاحتياج الفعلي للسوق من الكوادر.
وفي ذات السياق، أشار الخبير الاقتصادي عبدالحميد العمري إلى تشكيل برامج توطين غير مدركة فعلا للتشوهات الحقيقية سواء على مستوى الاقتصاد الوطني أو على مستوى سوق العمل نفسها، وهو ما أفضى بدوره إلى تشكل تحديات جديدة لم تكن في الحسبان رغم أنها كانت متوقعة في حال تم إغفال هذه الحقائق أو التحديات، معتبراً أن من أخطرها تفاقم أشكال التوظيف الوهمي.
ومع كل تحديث تقوم به وزارة العمل لبرنامج نطاقات، تراعي بدقة الإجراءات التي تحول دون انتشار التوطين الوهمي، وما يمارسه بعض أصحاب الأعمال من حيل لمواجهة البرنامج عبر توظيف سريع للسعوديين وتسريحهم، وكان آخر تحديث للوزارة في أواخر شهر فبراير الماضي، بتطبيق آلية مطورة لاحتساب نسبة التوطين وتحديد نطاق الكيان في برنامج نطاقات، لتحقيق مبدأ العدالة بشكل أكبر للمنشآت التي حققت معدلات توطين خلال معظم شهور السنة، إضافة إلى دعمها استقرار عملية توطين الوظائف، وعكس صورة واقعية لعمليات التوطين داخل مُنشآت القطاع الخاص.
وتحتسب الآلية الجديدة التوطين في المنشأة وفقًا لنسبة التوطين الأسبوعية لآخر (26) أسبوعاً بناءً على قواعد بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية فيما يتصل بالموظفين السعوديين، ومركز المعلومات الوطني فيما يخص تسجيل العمالة الوافدة.
وتضمن التحديث أيضاً بدء احتساب السعودي في المنشأة بواحد صحيح فور تسجيله في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، بخلاف الآلية السابقة المعتمدة على المتوسط المتحرك (اعتبار دخول السعودي للمنشاة بوزن تدريجي لمدة 13 أسبوعا)، حيث سيتم احتسابه في نسبة التوطين فور توظيفه، وسحبه فور مغادرته المُنشأة، وهو ما من شأنه التصدي لممارسات بعض المنشآت التي تعمد توظيف عدد كبير مِنْ السعوديين في آخر أسبوع لغرض الخروج من النطاقات غير الآمنة، إذ إنّ الآلية المطورة تعتمد على حساب جميع السعوديين في ذلك الأسبوع الذي تحتسب فيه نسبة التوطين مقسوماً على الـ(26) وبحيث يكون تأثير العدد المسجل عبارة عن عددهم في ذلك الأسبوع الذي يمثل جزءا من 26 أسبوعا يمثل نسبة التوطين في المنشأة، ما يجعل هذه الآلية أكثر عدالة ومحاكاة للمنشآت التي توظف السعوديين برغبة حقيقية لاستقرارهم وتطويرهم لأن العبرة في دخولهم المُنشأة واستمرارهم فيها وليسَ تسجيلهم ثم إنهاء خدماتهم.