في مقطع متداول يتحدث فيه فخامة الرئيس باراك "حسين" أوباما عن عدم اهتمام العرب بحقوق الإنسان التي ترتكب في سورية. وأنا أستغرب باسم الملايين من المستغربين العرب وغير العرب في العالم من كلام الرئيس الذين يعتقدون أن فخامته هو سبب استمرار أزمة سورية حتى وصلت بهذا الشكل الفظيع، ربما نسي فخامته أنه أول من شجع السوريين للخروج والتظاهر ودفع بهم إلى الأمام في الثورة ضد النظام السوري، والذي لم يتوقف فخامته بتذكير العالم بعدم شرعية رئيسه، بل حشد أساطيله الحربية وتوجه بها إلى شواطئ سورية، وكان العالم كله يطلب منه من باب الدعم الإنساني حماية الشعب السوري من الطائرات السورية التي كانت تدك الأحياء والمدن وتعصف بالبلاد يمنة ويسرة.
فخامة الرئيس لقد صورت للعالم أنك ستقضي على النظام السوري وتوقع العالم أن فخامتكم جاد، وأن قراركم ليس مزحا، فقد كان العالم ينتظر منك دعم الشعوب كما تدعون دائما في كل مناسبة تبحثون فيها عن مزايدات على حساب الشعوب المظلومة والمنكوبة، حتى أصبحت حقوق الإنسان التي تنادون بها مجرد كذبة لن يصدقكم أحد بعد أن جربوكم في غمرة هذه النزاعات والتحولات في حياتهم.
لقد فاجأت العالم يا فخامة الرئيس بتراجعك وعودتك لأخذ قرار الكونجرس لتخرج نفسك من وعودك التي نعرف بالقانون الدولي أن من حقك كرئيس أكبر دولة في العالم أن تلتزم بها وأن تتدخل لحماية شعب أنت من ألبهم ضد بعضهم، ثم تأتي الآن لتستغرب عدم اهتمام العرب بحقوق الإنسان في سورية.
يا فخامة الرئيس كنت ستسجل لنفسك أنك أنقذت ملايين الأرواح من الموت وحميت حضارة من أقدم حضارات الدنيا من التدمير لو أنك لم تهمل القضية السورية عندما تراجعت وتراجع معك البريطانيون الذين لهم في منطقتنا تاريخ كبير من بيع أراضيها وتسليمها أو ضمها للآخرين، كما فعلوا في وعد بلفور. كنا فرحين بمقدمك إلى البيت الأبيض أملا أن يكون تفكيرك مختلفا عن الرجل الأبيض في الغرب، حتى هلل وكبر وبكى جيسي جاكسون وبشر العرب والمسلمين بمن يناصر قضاياهم، ومن يفهمهم، وكنت تعرف أن الكراهية لأميركا قد وصلت ذروتها في المنطقة بعد تفكيك العراق وتسليمه لإيران وإغراقه في حروب طائفية أنتم السبب فيها، وأتيت لتلقي كلمتك التاريخية في جامعة القاهرة وتبشر بعصر جديد وسياسة جديدة لأميركا. لكننا لم نعد نثق بسياستكم أنتم وحلفائكم في بريطانيا الذين أهدوا إقليم الأهواز العربي في بداية القرن الماضي لإيران، فأنتم من عبث بالسلم والأمن في المنطقة على مدار القرنين الماضيين، واستنزفتم طاقته وجهوده، ومنعتوه من المشاركة في الحضارة الإنسانية التي لا تتم إلا من خلال الاستقرار.
ولم نكد نخرج من حرب حتى تدخلونا في حرب أخرى، تشعلونها وتتركوننا يحرق بعضنا بعضا بها. نحن بكل جرأة نحب أميركا وبريطانيا ونعشق السفر إليهما، ولكننا أمام سياستكم نتوقف لعدم مصداقيتها ولتاريخها الطويل في تدميرها لبلداننا بالطرق المختلفة.
فخامة الرئيس نرجوك وأصدقاءك في العواصم الغربية أن تكفوا عن العبث بحقوق الإنسان وبعقله الذي لم يعد يحتمل كل هذه المزايدات من الغربيين الذين لم يقفوا عند وعودهم ولم تحترموا مبادئهم، ويطالبون الناس بالامتثال بها، كيف تطالبون العالم ـ المحتقن بأسباب سياستكم ـ بالمثالية التي لم تلتزموا بها بالرغم من أنكم تمارسونها من باب الترف؟ وتتعالون بها على شعوب الأرض وفي مقدمتهم العرب الذين لم يعد أحد فيهم يعول على قراراتكم ولا سياساتكم، فأنتم تضربون بحقوق الإنسان عرض الحائط في أماكن وتعطونها توصيفا قانونيا لتغطية تجاوزاتكم، بينما تفتحون أعينكم على حقوق الإنسان في أماكن أخرى. ليتكم سألتم الرئيس الروسي الذي كان من الواجب عليكم أن توجهوا له الاستفسار نفسه عن حقوق الإنسان التي ينادي بها وهو يمارس سياسة الدعم والتشجيع للاعتداء على الإنسانية في أماكن أخرى، وهو شريك معكم في أزمة سورية. ولأصدق فخامتكم وكل من لديه القدرة في صناعة القرار في العالم بأننا نحلم ونصلي بأن يسود السلام والاستقرار في كل الأوطان، وأن ينعم بالأمن كل فرد في العالم حتى سكان بورما الذين يبادون أمام مرأى العالم كله.
فخامة الرئيس قد يحزنك أن تسمع أن من كان فرحا بقدومك إلى البيت الأبيض لتحل ملف جوانتنامو وما تبقى من مشكلات سجون أبو غريب وغيرها من الوعود التي نلت بها جائزة نوبل ولم تنهها، أنه ينتظر قدوم خلفكم على أحر من الجمر لأنه ربما يكون أكثر التزاما ومصداقية في اتخاذ قرارات تعطي لأميركا مصداقيتها في الكثير من الملفات حول العالم. لقد وجهت الدعوة لقادة الخليج إلى كامب ديفيد ولنا معها ذكريات سيئة للغاية تعيدنا إلى ذلك الاتفاق الذي تسبب في شق الصف العربي وطمأنة إسرائيل على بقائها في المنطقة، ولن ننسى اتفاق أوسلو وكل المعاهدات التي يتدخل فيها الغرب لإكراه العرب على اتخاذ قرارات ضد مصالحهم وأمنهم واستقرارهم. وقبل كل هذا وذلك يجب أن يعلم الجميع أننا في بلداننا وفي بيوتنا وفي أراضينا وأن كل ما نطلبه من الآخرين أن لا يتدخلوا في شؤوننا مثل ما نحن لا نتدخل في شؤونهم. اللهم أعد الأمن والسلام والاستقرار للعباد والبلاد في كل مكان، وجنبهم جميعا الحروب والخراب والدمار، وازرع في قلوبهم الحب، وانزع الكراهية والحقد من صدورهم، ليعيش الجميع في سلام، آمين.