إن كل البشر لهم منطق فيما يفعلون، حتى أنذل البشر وأكثرهم حقارة لهم مبرراتهم التي تسمو على أفعال النذالة والحقارة. إن كل مجرم ولص وإنسان سادي همجي له منطق يلجأ إليه، له تبريره الجاهز الذي يُشعِره آخر المطاف بأنه إنسان فاضل.

فلنحاول إذاً أن ننظر للأحداث من حولنا بعيون الأوغاد، بعيون اللصوص وقطّاع الطرق، بعيون الأذناب محترفي الطعن في الظهر، لنُحاول أن نُفكر بمنطق هؤلاء، بمنطق اللص الذي يكره وجود رجل الأمن، بمنطق الزاني الذي يكره الشرف، بمنطق القاتل الذي يتهم كل القُضاة بالظلم.

بهذا المنطق تحديداً، تخرج كائنات مجبولة على الخيانة والاحتيال والغدر والمكر لتصف "عاصفة الحزم" بأنها عدوان سافر، وأنها اعتداء على سيادة بلد عربي، وأنها حرب طائفية مذهبية غاشمة، وأنها حرب إمبريالية صهيونية مفضوحة، وأنها كل شيء قبيح مُستنكر، وهكذا نجدهم حين أرادوا التقليل من "عاصفة الحزم" لم يجدوا أمامهم من حل إلا أن يصفوها بصفاتهم هم، أن يُسقطوا عليها أسوأ ما فيهم من طبائع وأخلاق، الخائن يصفها بالخيانة، الجبان يُقلل من شأنها، العميل يرميها بالعمالة، وهكذا.

المتمنعون وهن الراغبات، أبناء الممانعة، أذناب إيران، الذين حرّقوا وقتّلوا وذبّحوا كل طفل وامرأة وشيخ أعزل لمجرد أنهم يخالفونهم في المذهب والطائفة، قالوا: إن "عاصفة الحزم" عدوان طائفي مذهبي ذميم! حسن نصرالله، المالكي، حيدر العبادي، قاسم سليماني، من طهران إلى جنوب لبنان مرورا ببغداد، كل الأوغاد عاقدون العزم على حرق بلاد العرب، يسعون لأن تبقى بلاد العرب مفككة منقسمة متنازعة متصارعة على الدوام، إنهم يُدركون بأن بضاعتهم لن تلقى لها رواجا إلا بتحويل الأرض التي يقفون عليها إلى رماد.

أبناء السنة الورديون، الإنسانيون أكثر من اللازم، المبالغون في التهذيب، النائمون طيلة الوقت، الآن فقط يستيقظون محذرين منبهين مخوفين من "عاصفة الحزم" وأنها ربما تحمل مشروعا فوضويا هداما، الآن فقط أدركوا بأنه لا يجوز ترويع الآمنين المسالمين من أذناب إيران المنتشرين كالبعوض في بلاد العرب، الآن فقط يستدعون الإنسانية في ملامحهم ويُدرجون عبارات التسامح والحِلم والصفح الجميل في خطاباتهم، الآن فقط تنبض أرهف الأحاسيس في ضمائرهم وكأن مئات الألوف من القتلى في سورية والعراق لا يستحقون الدموع التي يذرفونها الآن فقط.

الخبراء والمحللون الإستراتيجيون والعسكريون والاقتصاديون وبقية شلة الرغي والثرثرة، أحيانا يشرحون كيف أن "عاصفة الحزم" ليست إلا محاولة لاستنزاف الدول المشاركة -عسكريا وماديا-، وأحيانا يُوضحون كيف أن "عاصفة الحزم" ليست بشيء ولن تؤدي لشيء وأنها ليست إلا فقاعة وستنتهي، وأحيانا يكاد الواحد منهم أن يُقسِم بأنها ستنتهي بمحنة وأزمة على رؤوس المشاركين، هؤلاء ولأنهم خبراء ومحللون فمن الطبيعي أن يُغلفوا كل هراء وغثاء يقولونه بغلاف علمي بحثي ليبدو أنه فعلا رزين.

المعارضة الخليجية والسعودية تحديدا، "سفيه لندن" وباقي شِلة الأنس، نراهم اليوم متجهمين مكشرين يُسفهون ويُحقرون "عاصفة الحزم" ويصفونها بكل ألفاظ البذاءة والسفاهة بلا سبب منطقي واضح إلا أنهم حاقدون كارهون، كلامهم شتم، شرحهم تسفيه، توضيحهم استصغار، من يستمع لآرائهم سيُدرك حجم السواد المعشعش في صدورهم، سيُدرك حجم الغباء في عقولهم، غباء جعل أحدهم يستنتج بكل ثقة البلهاء بأن الغاية الحقيقية من "عاصفة الحزم" هي ضرب أهل السنة فقط!

إعلام الرز والسبوبة، هذا الإعلام الذي إن تحدث فيه الإعلامي بخمسين كلمة أخطأ في نطق تسع وأربعين منها، إعلام يُسفه "عاصفة الحزم" ويتطاول على الخليج وقادة الخليج وعلى كل المشاركين في "عاصفة الحزم"، وإن دافع هؤلاء ليس الحقد ولا الخيانة إنما الجشع والطمع، يعتقدون أن اللجوء للسفاهة من الفهلوة، وأنه من الفهلوة أن يجمعوا أكبر عدد ممكن من حبات الرز! إنه إعلام أقل ما يُقال فيه أنه قِلة أدب بقرار رسمي.

إن الحديث هنا ليس عن كل نقد، فلا يوجد عمل بشري يستحق كل المدح، لا بد من النقد، لا بد من التخوف والتردد وإبداء الآراء المخالفة، هنالك عقلاء يعارضون "عاصفة الحزم" لإدراكهم بأن الحروب بكل درجاتها ومهما كانت غاياتها فإنها تحمل ضررا، وإن نقد هؤلاء نقد المُحب الباحث عن المصلحة، لهذا فإن الحديث هنا ليس عن نقد المُحب، إنما عن نقد الحاقدين الكارهين، الذين يشتمون ويُسفهون ويستصغرون "عاصفة الحزم" لأنها تُعرقل أطماعهم وأحقادهم، وإنكم تعرفونهم من لحن القول وسواد الضمائر، فاحثوا في وجوههم التراب أينما ثقفتموهم.

"عاصفة الحزم" بغض النظر عن طبيعتها وأهدافها، بغض النظر عن المستقبل والنتائج، بغض النظر عن كل شيء، يكفينا منها حتى الآن أنها عرّت الأوغاد، فضحت إيران وأذناب إيران، أحرجت أدعياء الإنسانية، أزاحت القناع عن كل سياسي كان يُمثّل علينا دور الصديق المُحب، أخرجت إعلاميي ذلك السياسي عن طورهم وأظهرتهم ككائنات طفيلية لا أكثر، إنها باختصار "ضربة معلم".