تختلف استجابات الشعوب وثقافاتها مع كل جديد يطرح وإن لم يتعودوا عليه في حضارتهم المحلية حتى وإن أشادوا به عند غيرهم وتمنوه عندهم، أو مع كل قديم تقادم وأعيد تأهيله وطرحه بأسلوب آخر يحمل معه جوانب الماضي المفعم بالعراقة والمتجذر في أعماق النفس بالذكريات الجميلة، بل إن بعض تلك المجتمعات تستصعب على أهلها أن يستطيعوا أن يغيروا عجلة الزمن من اللامبالاة بكل جميل إلى الاهتمام بتفاصيل الجمال في كل ذكريات الموروث بأنواعه وحرفه وفنونه، ومن جهة ثانية لا تراهم قادرين على أن يخلقوا ثقافة كانت أشبه بالمستحيل على أمر إيجابي، بل وحتمي تؤكده المعطيات الموجودة.

السياحة تعد من مصادر تنوع الدخل وأحد روافد الاقتصاد والناتج المحلي، وسببا رئيسا في ازدهار قطاع الأعمال، وتبنى بها الثقة في الاستثمار المحلي مع القطاع الخاص، لأنها مؤمنة به وداعمة له ومذللة لكل الصعاب نحو إنجاحه وتنوعه وتحقيق تطلعات المهتمين به والمستثمرين فيه والداعمين له، وكذلك المتطلعين إلى مستقبل زاهر معه يحقق كل ما سبق.

هذا المدخل يقودنا إلى تشخيص واقع الهيئة العامة للسياحة والآثار من باب أن ندرس واقعها، وهل مكنت من تحقيق رسالتها ورؤيتها وأهدافها التي أقرت في بداية إنشائها قبل أربعة عشر عاما؟ أم أنها تبذل جهودا تفوق الطاقات البشرية، لأن الدعم أقل من الطموح لتلحق بالركب التنموي المستهدف، أو لأنها تحمل المعاناة من ازدواج المسؤولية تارة أو ضياعها تارة أخرى بين أكثر من جهة وسرعان ما يتنصل الجميع إذا علقت الهيئة الجرس، وهذا كله وغيره كان قبل الدعم المالي والبشري الذي صدر مؤخرا للهيئة فاعتبره الجميع فجرا جديدا سيؤتي ثماره يوم حصاده.

ولو لم يتحقق هذا الدعم أو أنه تأخر هل سنرى أن مثالية الأهداف يمكن تحقيقها في ظل ضعف الميزانيات التي فضلت ألا أعرضها، لأن مقدار الزيادة السنوية في الإنفاق على الهيئة ومشاريعها لم يحقق أدنى التطلعات؟ في حين أن الكثير من الوزارات والهيئات العامة تتضاعف ميزانياتها بين سنة وأخرى وأهدافها لا تمثل 20% من أهداف الهيئة العامة للسياحة والآثار، وهل سنرى تحقيق ذلك على أرض الواقع في ظل شح الاعتمادات المرصودة لها استنادا إلى ضعف ميزانيتها منذ تأسيسها؟ ويكفي أن نعرف أن ميزانيتها الافتتاحية كانت في عام 2001 حوالي 57 مليون ريال فقط، وهي لا تمثل في مشاريع هذا الوقت ميزانية إنشاء كبري مشاة بأحد الشوارع، ولو استمرت في ميزانياتها الضعيفة التي يذهب 70% منها رواتب لمنسوبيها فإن الخاسر هو الوطن والمواطن، وإن كنا نرى أن من يولد ضعيفا يستمر ضعيفا إلا إذا وجد العناية والرعاية والاهتمام؟ وهل سيبني ذلك الشح الثقة لدى القطاع الخاص في الاستثمار في السياحة طالما أن الدولة لم تستثمر فيه، وكيف سنوقف الهجرة الاستثمارية الوطنية عن الاستثمار في الدول العربية أو الأجنبية إذا كانت الدولة لا ترى أهمية هذا القطاع، وكيف نجلب استثمارات أجنبية في قطاع السياحة إذا كانت الدولة لم تؤمن الغطاء الاستثماري لهم وتدعم اقتصادها الوطني من خلال دعم الهيئة وبرامجها، ولو استمر الحال كما هو هل يطير الطائر بجناح واحد وتستطيع الهيئة أن تستمر في تحمل اللوم من المواطن لعدم تحقيق تطلعاته، وهل تستطيع الهيئة أن تحقق المناخ الاستثماري السياحي لوحدها؟

أسئلة كانت حائرة والإجابة عنها من المعنيين باقتصادنا الوطني وتنمية موارده وتوطين خير البلد في أرض البلد حتى لا يقع اللوم على الهيئة التي لم تقصر وفق المتاح لديها من دعم، بل تجاوزت ذلك إلى التوأمة مع شركاء النجاح في القطاع الخاص لتتجاوز المعوقات وتحقق الإنجاز بأقل تكلفة، والأمر الآن دون شك مع الدعم الجديد قد تغير وبرزت مشاريع استراتيجية وإطلاق شركات ستكون مساهمة عامة، ولكن داخل رحم الهيئة.

ويعلم الجميع أن هناك دولا لا تملك ثروات وعاشت كأفضل ما تكون عليه الحال بفضل الجانب السياحي، وأصبح هو الرافد الوحيد لكل مصروفاتها وسببا لقيام نهضتها، بل ومن خلال الجذب السياحي أصبحت تملك زمام الكثير من الأمور في العالم، ونحمد الله أن النظرة للمنظومة السياحية قد تغيرت وتم التأكيد على دورها وفاعليتها في الناتج المحلي وعلى رفاهية المواطن وتوظيفه وتنميته الشخصية والعملية وإسهامها في دعم القطاع الخاص.

ختاما، سيظل الدعم الحكومي هو حجر الزاوية في صناعة السياحة والاهتمام بالآثار، وسيكون واقعا معاشا طالما آمنت الدولة بأهداف الهيئة ومكنتها من تحقيق رسالتها وأهدافها، وسيعود ذلك على الوطن والمواطن بالخير ويجعل الجميع أكثر قناعة بموجوداتنا السياحية والتنموية، وأرضنا خصبة للاستثمار السياحي الذي يتوافق مع تعاليم ديننا الحنيف وثقافتنا وضيافتنا التقليدية، وبقي الدور بعد هذا الدعم على هيئتنا الرائعة التي هي محضن الإبداع القادم وصانعته.