لم تكشف الأيام الأولى من عاصفة الحزم عن صفعة مدوية لإيران قلمت أظفارها في اليمن، بل كشفت عن بروز وولادة تحالف جوهري جديد يحيط بها من كل جهات البوصلة ويقول لها بكل وضوح إن مسرح الشرق الأوسط لم يعد كما كان من قبل، فضاء مفتوحا "للباسيج" وجنرالات الحرس الثوري الفارسي. خرجت بنا عاصفة الحزم من فضاءات التحالف العربية الضيقة، ومن ولادات الضعف العربي في مواجهة المد الصفوي الفارسي. أعطت عاصفة الحزم رسالة جديدة إلى إيران أن "جغرافية" الخناق عليها أصبحت أكبر من مسرح العواصم العربية المهترئة. باكستان من الشرق بقدراتها العسكرية الهائلة، وتركيا من الشمال بثقلها السياسي، والرياض والقاهرة من الغرب ومن وراء هاتين العاصمتين مجلس التعاون الخليجي الذي يشكل بمجموعه سادس قوة اقتصادية على وجه الأرض. رئيس وزراء تركيا ينذر إيران بالخروج التام من عواصم أربع دول عربية في تصريح ناري ثاني أيام عاصفة الحزم، ورئيس وزراء باكستان يعلن من قلب إسطنبول إنذارا شديد اللهجة إلى إيران بأن حدود المملكة هي نفسها حدود باكستان، وهذا ليس بمستغرب لمن يعرف حجم العلاقة التاريخية بين البلدين.

والخلاصة أن عاصفة الحزم أخرجتنا في مواجهة إيران من دائرة الضعف العربي وبيانات قمم العرب الإنشائية إلى حلف جغرافي واسع تشارك فيه دول جوهرية لا علاقة لها باللسان العربي. أخذتنا عاصفة الحزم إلى تحالف أنقرة وإسلام أباد والقاهرة والرياض، وهذا الشكل الجغرافي المثير للانتباه يمثل أكبر "كماشة" حول طهران وحول الأطماع الفارسية الصفوية.

بقي أخيراً أن نقول بصراحة إن الثغرة حول هذا التحالف الجوهري بين أكبر أربع عواصم في دول العالم الإسلامي تكمن في سوء الفهم الواضح ما بين القاهرة وإسطنبول. أعتقد جازما أن هذه "الثغرة" هي مسؤولية السياسة السعودية مثلما أنا واثق أيضا أن سلمان بن عبدالعزيز، ووحده، يستطيع إصلاح وترميم هذا الملف الشائك في العلاقات الثنائية ما بين عاصمتين جوهريتين في جسد تحالف وليد هو لوحده من سيضع حبل المشنقة على رقبة إيران في ظرف استثنائي للخارطة العربية.

باختصار أخير: لا تنظروا إلى عاصفة الحزم على أنها مجرد انتصار عسكري، بل هي ولادة منظومة سياسية وتحالفات جديدة قررت أخيرا: صحة جسد الجغرافيا من الورم التاريخي.