المكابرة وتلبس ثياب الأبرياء سلوك يحمي به البعض ذاته من الإدانة بالأخطاء، وقد تكون أحد السبل لادعاء الكمال أحيانا، ويظهر ذلك في كل مواجهة بمحاولة التبرير في ذكر جوانب مختلفة لها سمة إيجابية قد لا تكون ذات علاقة بالقضية، ولكن المشكلة في حقيقتها لا تقف عند الفرد، بل إن المجتمع قد يجتاحه خطأ عام وشائع، ويتحول غالبية الناس إلى مدافعين عنه، ثم تتفق هذه الجموع عاطفيا على وحدة في المشاعر لا في الذكاء، وتلك من الأوهام الناشئة عن تلقين الفرد والجماعة على أن تغيير الأحوال يعد شأنا خطرا يهدد استقرارهم النفسي، الأمر الذي يجعل الرفض التلقائي ذريعة يتغنى بها المسؤول لوضع أولويات معاكسة للإصلاح ومضادة لإعادة النظر في الكثير من السلبيات التي تعرقل التنمية.
الاكتفاء المادي والمعنوي لدى البعض يجعلهم لا يشعرون بحاجات غيرهم، وهذه شائعة لدى بعض المسؤولين المتخاذلين في تحسين أداء العمل الذي ينطوي تحت إدارتهم، والحالة إما تنتج تبريرات معتادة لا جدية فيها لمعالجة المشاكل الناتجة عن سوء الأداء الإداري، أو إيجاد المخارج في وعود مؤجلة إلى الأبد.
الحاجة التي لا يمكن تجاهلها هي البحث الدائم عن السلبيات وتحليلها ومحاولة علاجها والتخلص منها، بمقابل تسليط الضوء على الإيجابيات من أجل تطوير أدائها، ولكن علينا ألا نخلط الأمر ونلغي أحدهما بالآخر، فنذكر الإيجابيات حين نريد أن نواري الخطأ، ونتهم الناقد للسلبيات بتهمة التجديف.
إن تحسين شكليات الحوار والنقد في الأخذ والرد حول هذه المسائل لا علاقة له بتأويل النوايا، وهي معادلة واضحة لا تحتاج إلى إذن ولا تنتظر الثناء من صانع للقرار الذي نتوقع استياءه، إنما هي تقتضي جرأة المواجهة والاعتراف بالخطأ الذي لا يوجد لتبريره معنى سوى الاستمرار فيه، وحين ننتقد الأخطاء فهذا يعني الحاجة إلى تحسين الأداء ولا يعني ذلك أننا نلغي الجوانب الأخرى، فضلا على أننا لسنا بحاجة إلى استعراض الإيجابيات دائما لتبرير حسن نوايانا.
لا يوجد مجتمع كامل ومنزه عن الأخطاء، ولكننا حينما نركز على تناول مشاكلنا من أجل نقدها والبحث في الحلول والخلاص منها فنحن نحاول أن نرسي ثقافة نقدية اجتماعية تتعلم كيف تزن المسائل وتدرك مواضع الخطأ، حينها لن نكون بحاجة إلى تبرير أي مشكلة بدعوى أنها موجودة "حتى في أميركا".