في حروب العصر الحديث زادت أحمال تأثير الإعلام، خصوصا الإعلام الاجتماعي.. فمن مراسل كان العالم كله ينتظر إطلالته وهو بيتر ارنيت مراسل سي إن إن في بغداد أيام حرب تحرير الكويت إلى ملايين المراسلين عبر تويتر وواتس أب وفيس بوك.. ولم يعد يكلفك الاطلاع إلا أن تنظر إلى هاتفك.. وهذه ميزة تتيح المعلومة ولكنها معضلة كبرى لرأي عام الدول أثناء الحرب.. ففي أي حرب على مدى التاريخ.. كر وفر.. يوم ويوم.. صعود وهبوط في الأداء والآثار.. وليست الحروب يوميات.. وإلا لكانت كليات الحروب والقيادة والأركان في العالم أغلقت.. أنا من جيل حضر حرب تحرير الكويت.. وأتذكر يومياتها الإعلامية بالتفصيل.. ليس قوة في ذاكرة، لكن مجال البحث والتخصص.. كان هدفنا واضحا.. تحرير الكويت، وكان صدام وإعلامه بارعين في استغلال اليوميات وتصويرها أنها خسائر.. كان إعلامه وأصدقاؤه في تلك الأيام يحاولون اختراق الرأي العام بأن كل يوم منذ بدأت الحرب لم تتحرر الكويت هو خسارة للسعودية وحلفائها وانتصار له.. ثم حصلت مغامرة الجيش العراقي باحتلال الخفجي.. فأعلن انتصاره وبداية احتلاله السعودية، ولم يستمر كل هذا إلا أيام.. ثم انهار صدام وجيشه ليس في الخفجي وحدها إنما في الكويت، وحقق هدف التحالف.. تحرير الكويت، وترك لصدام الخاسر مجد اليوميات وزيف الادعاءات.
العدو هذه المرة أخبث من صدام بمراحل.. والتقنية وتطورها الهائل يوفران له الوسائل.. هدف عاصفة الحزم واضح.. عودة الشرعية أولا ثم الجلوس على طاولة الحوار لإيجاد حل سياسي يمثل الوزن الحقيقي للقوى في اليمن.. لا سيطرة فيه للحوثيين على اليمن.. ما دون ذلك من يوميات هي سير طبيعي للحروب، وهذا ما لا يريده العدو ومن وراءه.. فعاصفة الحسم دفنت أحلام شرطي المنطقة الموعود بعد اتفاق لوزان.. لذا استغل العدو المعارك اليومية في وسائل التواصل لتصوير أن الكر والفر هو خسارة حرب.. ساعده تسابق القنوات لتغطية الحرب، ويحاول أن يفرض خياراته عبر ضغط شعبي على دول التحالف.. عدن أقرب مثال.. فمن قال إن الحرب أن تسقط عدن أو تتحرر الضالع.. هذا ما يريده العدو عبر إشاعته وتضخيم يوميات الحرب عبر تويتر وواتس أب، العبرة بالنتائج وتحقيق الأهداف وختام الحرب، وإذا كان الحوثي منتصرا في أول أسبوع.. فليتفضل عبدالملك الحوثي بإلقاء خطاب النصر ليس من سطح قصر المعاشيق فهو خطر عليه.. بل من صنعاء أو صعدة.. وليكن في ساحة عامة فأنصاره يدعون النصر وليخرج علي عبدالله صالح في خطبة لجنوده المنتصرين في ساحة السبعين.. وكدت أن أنسى أن أطلب من القائد الأسطوري الكاسح الماسح قاسم سليماني أن يأخذ لقطات وهو يدافع عن عاصمته الرابعة.. ولا بد أن تكون لقطات في ساحة المعركة. وبنظرة رومانسية للمستقبل اختفى المزبدون والمرعدون.. واليمن ستعود بسواعد أبنائها وإخوانهم العرب.. لكن الكوميديا السياسية أفرزت لقطة تاريخية مضحكة في هذه الحرب.. الذنب يصيح الموت لأميركا.. والرأس يوقع معها.. سيقطع الذنب.. ويعود الرأس إلى حجمه الطبيعي.