إطلالة متعمقة على الصحافة والإعلام وكل وسائل التواصل الاجتماعي كافية لنرى كيف غابت يقظة الوعي وكيف بدأت تستيقظ، وكيف يجب أن تكون العودة بالإنسان إلى الواقع، حيث لا رؤى، ولا نبوءات، ولا مخطوطات.

إن قراءة ما يدور في الإعلام وفي وسائل الاتصال الاجتماعي لهو أشبه بقياس واقعي للتأثير الديني والطائفي والمذهبي على حساب السياسي والعروبي، وهذا لا يستثنى منه المثقفون والساسة والأفراد.

هناك مطلب ملح وقوي ومصيري لكبح تغول المعتقدات المبنية على الصراعات الدينية ووقف تغذيتها للإسلام السياسي، وهنا يكمن الشتات الذي تداخل فيه الديني والسياسي.

هناك الكثير من التوجهات المدمرة التي تعمل بقوة تحت السطح وعلنا في توظيف الديني في الصراعات السياسية، قديما وحديثا، وهناك الكثير من الناشطين يتابعون ويكتبون عبر كل وسيلة ممكنة بحثا عن معطيات تتوافق ورؤاهم ونبوءاتهم ولتتوافق مع معتقدات الظهورات للمخلصين، وكلٌ يظن أنه وحده من يمتلك الحقيقة، بينما لكل شريعة ومذهب مخلصهم المقدس، فهناك نبوءات "آخر الزمان" من وجهة النظر اليهودية، وهي كذلك عند المسيحية وعند المسلمين وعند الهنود وعند البوذية.

الرؤى والنبوءات الدينية تجمع بين الأفراد والجماعات والشعوب حتى تلك المختلفة عنصريا والمتباينة ثقافيا والمتباعدة جغرافياً.

إنها قوة الديني المتداخل مع السياسي الذي غالبا ما يساء أو يبالغ في استغلاله إلى حد التناقض بين السياسي والديني.

التأثر والتأثير المتبادلين بين ما هو سياسي وديني قائمان بقوة، وهنا لا بد من الإشارة إلى هذا التأثير المتبادل في التسبب بإثارة الاضطرابات أو باستغلال الموروث الشعبي أو الديني وتداخله مع السياسي.

في كل العصور التي مرت بها الإنسانية سادت الخرافة والثقافة الشعبية وطغت على السياسة، وفي كل تلك الفترات وحتى يومنا هذا هناك المبرمجون والناقلون الذين قاموا على إحيائها، بل كانت وما زالت منطلقات فكر "آخر الزمان" المحرك الرئيس لكثير من الاضطرابات ذات الأبعاد الطائفية التي تسيطر على قلب العالمين الإسلامي والعربي.

تحت السطح يكمن الكثير من الديني الذي يشكل قوة روحية كبرى في عصب السياسة بحيث لا يمكن تجاهله.

الوعي متغير، والإنسان الذي ظل في نفق الماضي والوهم طويلا هو اليوم يستيقظ على نتاج معطيات صادمة، نتيجة واقعية السياسي الذي فاق كل التوقعات والرؤى والتهويمات، وهو ما نراه اليوم من يقظة الشعوب التي وقفت مع الحرية ومع العقل والمنطق ووقفت بصرامة ضد تسلط الخرافات ومروجي الرؤى ونبوءات "أول الزمان وآخر الزمان".