لم تمض أكثر من أيام قلائل على قول رأس نظام دمشق بشار الأسد إن وجود روسيا في المنطقة وفي بلاده تحديدا يعزز من استقرار المنطقة، إلا وجاء الرد الروسي على تلك الإشارة في رسالة بعث بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القمة العربية الـ26 التي اختتمت أعمالها أمس في شرم الشيخ، قال فيها إن بلاده تقف إلى جانب الشعوب العربية دون أي تدخل خارجي، وإنها تستنكر الأعمال الإجرامية للجماعات الإرهابية، وطالب بتسوية الأزمات في سورية وليبيا واليمن وفقا للقانون الدولي.

تجاهلت ربما الرسالة الدور الذي لعبته روسيا منذ اندلاع الأزمة السورية في شهر مارس 2011، في تمثيلها الغطاء الدولي الأبرز للنظام السوري الذي فتك بالشعب السوري، واستمر ذلك الغطاء حتى بلغ أوجّه عبر عقود تسليح متطورة أسهمت في تدمير البلاد – سورية – عن بكرة أبيها. ذهب الإرث وقتل الإنسان شردت النساء والأطفال، دخلت التركيبة السورية التي لطالما كانت متعايشة مع بعضها البعض طوال مئات السنين في مرحلة تفكك، ربما تعجز عشرات السنين عن لملمتها بالسلاح الروسي.

يقول معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية إن موسكو عدّت سوريا بقيادة أحد أفراد عائلة الأسد أقرب حلفائها في العالم العربي لفترة دامت أكثر من 40 عاما. خلال الحرب الباردة انتقل كثير من الروس إلى سورية، وفي المقابل درس كثير من النخب السورية في كبريات المؤسسات التعليمية الروسية مثل "جامعة موسكو الحكومية" و"جامعة الصداقة بين الشعوب". وآنذاك سعت القيادة السوفيتية إلى اجتذاب الطلاب المتفوقين من الدول الحليفة، الذين يمكن الاعتماد عليهم في وقت لاحق. ولأن سورية تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة للمكانة السوفيتية في الشرق الأوسط فتمت الإشارة إلى السوريين في البث الإذاعي العام والبيانات كـ"حلفاء" و"أصدقاء". كما هو حال دمشق الآن حين تصف الروس بالحلفاء وأكثر من ذلك، حين عبر يوما بشار الأسد عنهم بـ"الأشقاء". هي ليست زلة لسان بقدر ما هي تعبير عن تحالف تاريخي انتهى به الأمر إلى سفك دماء كل من تسول له نفسه معارضة النظام حتى وإن بالصوت.

وباعتبار روسيا الاتحادية الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية في تصدير السلاح، أخذت على عاتقها التقارب أكثر وأكثر من الأنظمة البوليسية في المنطقة. وبحسب المركز الأميركي الذي - أنشأته مجموعة من الأميركيين الملتزمين في تعزيز مصالح الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط -، فإن نظام بشار الأسد كان الصورة الأقرب إلى السعي الروسي. وكانت سورية دولة مستهلكة للأسلحة الروسية لفترة طويلة، وما حصل بعد مجيء الأسد وبوتين إلى السلطة في عام 2000 هو ازدياد تجارة الأسلحة بين البلدين بصورة مكثفة. ووفقا لـ"معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" شكلت روسيا 78 في المئة من مشتريات سورية من الأسلحة بين عامي 2007 و2012. كما وصلت مبيعات الأسلحة الروسية إلى سورية بين عامي 2007 و2010 إلى 4.7 مليارات دولار، أي أكثر من ضعف الرقم المسجل في السنوات الأربع التي سبقتها، وفقا لـ"خدمة أبحاث الكونجرس" الأميركي.

ووفقا لصحيفة "موسكو تايمز" فإنه فضلا عن الأسلحة استثمرت الشركات الروسية قرابة 20 مليار دولار في سورية منذ عام 2009. وإذا فقد الأسد السلطة فسيتم إلغاء هذه العقود. كما أن القروض الروسية الكبيرة المقدمة للأسد معرضة للخطر. وأرسلت موسكو إلى النظام السوري عن طريق الجو أكثر من مئتي طن من "الأوراق النقدية" في صيف 2011، أي خلال الفترات التي تصاعد خلالها القتال.

وربما تكون مثل تلك الشحنات السبب الوحيد الذي تمكن فيه الأسد من تجنب الإفلاس والاستمرار في دفع "الرواتب" إلى قواته مع تضاؤل الاحتياطات الأجنبية في البلاد.

يضيف المركز في تحليله للذهنية الروسية وتعاطيها مع الشرق الأوسط "منذ عام 2000 سعي بوتين إلى استعادة مكانة روسيا كـ"قوة عظمى"، مجسدا سياستها ضد الولايات المتحدة في شكل لعبة محصلتها صفر من أجل وضع روسيا كثقل موازن للغرب في الشرق الأوسط. وتمثل سورية موطئ القدم الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة لروسيا، كما أنها تعدّ ذات أهمية رئيسة في حسابات بوتين. فموقع سورية المطل على البحر الأبيض المتوسط وإسرائيل ولبنان وتركيا والأردن والعراق، يجعلها ذات أهمية أكبر من أن يسمح بخسارتها".

ومنذ بدء الانتفاضة السورية بوجه سفاح دمشق ظل بوتين داعما للأسد على نحو مطلق، على الرغم من التصريحات التي تفيد عكس ذلك، فقد زود الأسد بالأسلحة ووفر له الحصانة في مجلس الأمن الدولي، ووافق على استيعاب النفط الخام السوري مقابل منتجات النفط المكرر لدعم اقتصاد البلاد وجيشها، وقدم القروض لتفادي إفلاس سورية، ولا يزال الدعم والغطاء مستمرين.