من خلال قراءة سريعة لأبرز تصريحات أصحاب المعالي، يمكن ملاحظة أهم العبارات التي يشتهرون بها وهي "سوف" و"علينا" و"ضرورة" و"يجب أن" و"مطلوب" و"ننوي" و"سنعلن" و"سندرس" و"سنفعّل".

قبل أيام صرح وزير التعليم بإصدار قرار يمنح كل معلم ومعلمة أمضى عشر سنوات في التعليم تفرغا لفصل دراسي بهدف تطويره المهني والمعرفي وفقا لمعايير وضوابط تعد لذلك. ولا أخفيكم أني وبمجرد قراءتي لعبارة "معايير وضوابط" بدأت أدندن بصوت منخفض "يا ليل ما أطولك" ثم ما لبثت الدندنة حتى ارتفعت وتيرتها عاليا وأنا أقرأ نهاية التصريح "موعد بدء العمل بالقرار الجديد بدءا من العام الدراسي بعد القادم 1437 - 1438"! ثماني سنوات مضت على مشروع تطوير التعليم ولم يتدرب سوى القلة القليلة من المعلمين، يعني أن يتم العمل بالقرار الجديد بعد 10 سنوات من مشروع تطوير التعليم!

تعالوا معي إلى التصريح الآخر: ففي 15-4-1436 تم تشكيل لجنة وزارية عاجلة مكونة من 10 أعضاء من قبل معالي وزير التعليم وتكليفها بدراسة عدد من المشاكل مثل بند 105، وإنشاء حاضنات في المدارس، ومعالجة الفروقات المالية للمعلمين والمعلمات، وحركة النقل الخارجي، والتعاقد لسد العجز الموقت لدى المعلمات، والتقاعد المبكر، إضافة إلى شروط تعيين المعلمين والمعلمات، وأن اللجنة ستنهي أعمالها خلال 3 أسابيع من تاريخ القرار.

السؤال المطروح: الأسابيع الثلاثة أصبحت الآن شهرين تقريبا ومازلنا نتطلع وننتظر الكثير، ولا ننسى أن حركة النقل الخارجي لهذا العام قد خيبت آمال أكثر من 90 ألف معلم ومعلمة، والمضحك المبكي أن مصادر صحفية كشفت قبل أيام عن دراسة جديدة أكدت أن تحقيق رغبات النقل ما بين "30 - 50%" من المعلمين والمعلمات سيتم تطبيقه في 1440 وستكتمل بحلول 1445 يعني بعد سنوات من الصبر يقال للمعلم والمعلمة "مبروك كلها 5 إلى 9 سنوات ويجيك النقل"!

وهنا أذكر تصريحا لوكيل الوزارة السابق في 1430 الذي أفاد أن المباني المستأجرة ستنتهي خلال ثلاث سنوات، ونحن الآن في السنة السادسة والحال كما هي!

في الحقيقة، دائما ما نسمع بعض البشائر التي تبشر بها الوزارة بين الحين والآخر، لكنها تفتقد إلى آليات التطبيق على أرض الواقع، ولذلك لم أتفاعل كثيرا مع قرار إنشاء الحاضنات في المدارس، لأنها موجودة سابقا في المدارس الأهلية ولكنها تفتقد كثيرا إلى الأسس الصحيحة في الإدارة التربوية.

لست متشائما ولكن الإنجازات هي التي تبعث على التفاؤل. كيف يمكننا التفاؤل ونحن نلاحظ منذ أكثر من عقد وحقوق المعلمين والمعلمات التي تطرح على طاولات البحث والتمحيص والتدقيق هي نفسها التي تطرح مرة أخرى على لجان متخصصة، وفي نهاية المطاف تبقى حبرا على ورق، لا يتخطى تنفيذها عنق الزجاجة؟ وفي عنق المعلم والمعلمة غصة أموال وفوائض وخيرات تدفقت في الأعوام الماضية دون التنعم بها والاستفادة منها.

فلننظر مثلا إلى المعلم الياباني وما يحصل عليه من مزايا: علاوة سنوية، مكافأة خدمة تُعادل خمسة أضعاف الراتب الأساسي، علاوة اجتماعية، علاوات تشجيعية للمميزين، بدل طبيعة عمل، بدل سكن، بدل غلاء معيشة، بدل نقل، بدل إغاثة، إضافة إلى تأمين طبي، وعلاوة الأطفال المواليد، وعلاوة حضانة الأطفال. ويُضاف للمتقاعدين كتكريم لعطائهم مكافأة نهاية الخدمة، وبدل عجز، وبدل استمرار معيشة.

كل هذه المميزات والمكافآت ليست لوزير أو وكيل وزارة أو قاض قانوني أو عضو مجلس شورى أو دبلوماسي، إنها للمعلم! ولذلك تحظى مهنة "المعلم" بإقبال كبير في اليابان، أما المعلم في مجتمعاتنا فإنه لا يتردد في ترك التعليم عند أول فرصة تأتيه، وحتى عندما يواصل الطريق فيعيش شعورا كبيرا بالغبن!

ليست المشكلة في المعلم ولكنها مشكلة الواقع الذي يعطي المعلم حقه ومكانته.

أخيرا، أقدر كثيرا لمعالي الوزير تأسيس "هاشتاق #مع_المعلم "وتفاعله مع الجمهور.

تغريدتي في هذا الهاشتاق: يقول "مهاتير" صانع نهضة ماليزيا: "عندما أردنا الصلاة توجهنا إلى الكعبة.. وعندما أردنا بناء ماليزيا توجهنا إلى اليابان".