هناك شيء لافت في الخطاب الأخير لحسن نصر الله، تستشفه من بين كلماته وعباراته رغم استمراره الكذب والتسويف والوعيد وهو يتحدث عن عاصفة الحزم.

فما قرأناه يختلف كليا عن خطاباته السابقة التي يصور نفسه فيها البطل ويحيي خلالها داعميه الإيراينيين، ولا ينسى التأكيد على أنه منهم وفيهم ووفق أمرهم.

المتغير اللافت في الخطاب الأخير أن نصر الله يؤكد ويريد أن يقسم بأغلظ الأيمان أنه ليس لإيران أي تأثير وتوجيه على حزبه، ولا يعنينا كذبه، لأن الكل يعلم من يوجهه ومن يحارب إلى جانبه ومن يمده بالمال والسلاح، بل إن أقل المتابعين قادر على إظهار تصريحاته السابقة التي يشير فيها إلى أنه يستمد تعليماته وتحقيق أهدافه من المرشد الأعلى، وهي موجودة الآن ومتاحة في ظل الإعلام السهل. ليس هذا فقط، هو ينفي تدخل إيران في اليمن، وسط إشارات يرد عليها الإيرانيون أنفسهم بأقوالهم وأفعالهم، واقرؤوا واستمعوا إلى خطب وأقوال المرشد وعلي شمخاني ومن هم على نهجم، ومن لسانهم ندينهم.

لنأخذ الجانب الأهم فيما قاله. فخطاب قاتل أطفال سورية، رغم أنه طويل ومتكرر العبارات إلا أن من استمع إليه يقرأ فيه التناقض والعبث، لكن ما يلحظه أكثر درجة التوتر العالية التي كان عليها، فقد كان مختلفا عن السابقات، وكأنك تقرأ من كلمات هذا الخطاب أنه يعبر عن وجل وخوف، وكأن دمارا يقترب منه، فهو يحلف ألا توجيهات يتلقاها هو وحزبه من إيران، ولا هناك شأن عسكري معها، ثم لا يلبث أن يتوعد ثم يتراجع ويبرر، وأحسب أنه يدرك أمرا خطيرا وكأن موعد الضربة على رأسه قريب، وإن إيران التي أعطت الحوثي الشمس بيد والقمر بيد أخرى، ثم فزعت هاربة من كل بحر العرب إدراكا منها أن قوات الجو السعودية وحلفاءها تستطيع أن تطالها في طهران وليس عند باب المندب، ستفعل معه مثل ما فعلت بالحوثي.

نقول إن حسن نصر الله متوتر حد الرعب الشديد، وهذا دليل أعتقد أنه ينطلق من عدم الثقة بالإيرانيين بعد الهروب السريع من اليمن، ليكون قربه من إيران مصدر تهديد له، ويصبح كالضائع محاولا القفز من مكان لآخر، في محاولة استمراره العبث بعقول الناس امتدادا لمنطقه الإرهابي الذي لا يعمل في إطاره إلا من ليست لديه حقيقة يدافع عنها من أولئك الذين قدر للعالم أن يكونوا على هامشه عابثين يستمدون سلطتهم من الدول ذات المنهج المخالف لكل ما هو قائم في هذا العالم، لذلك فلا شيء غير الوعود الزائفة، رغم أنه الآن لا يستطيع أن يطل برأسه من مخبئه في الضاحية الجنوبية.

توتر نصر الله ومحاولة نفيه تلقي الأوامر من إيران سيعيدان حسابات كثيرة في المنطقة، والأكيد أننا لن نلومه على هذا النفي والتوتر، لأن هروب أسياده الإيرانيين من بحر العرب وترك الحوثيين وحدهم، سيجعله وحيدا في مهب الريح وبانتظار عاصفة حزم جديدة، ليكون وحيدا وكأنه "قملة محصورة بين ظفرين" تنتظر هرسها!