ها نحن على أعتاب السنة الخامسة منذ اشتعال فتيل الأزمة في سورية دون أن تلوح لها نهاية في الأفق، إذ يهدد انعدام الاستقرار البلاد المجاورة بل والمنطقة بأسرها.

وما زال التوصل إلى حل سياسي قادر على وضع نهاية لهذه الأزمة غير المسبوقة شيئا بعيد المنال، فحتى الآن تضرر أكثر من 12 مليون شخص أيّما ضرر من هذه الأزمة، ودُمرت البيوت وهُدّمت المستشفيات والمدارس وتلاشت الوظائف وسبل كسب العيش.

تظهر البيانات الخاصة بسورية أن عجلة التنمية عادت إلى الوراء أربعة عقود، وأن الفقر يسود الآن بين 75% من السكان، وأن هناك 4.4 ملايين شخص يعيشون في فقر مدقع، كما أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد المجاورة آخذ في التدهور يوما بعد يوم.

لقد تسبب الصراع في أكبر نزوح للسكان في الآونة الحديثة، إذ فر 3.8 ملايين شخص إلى البلاد المجاورة لسورية، ما زاد من الضغوط على المجتمعات المحلية المضيفة، وعلى أنظمة تقديم الخدمات الوطنية، وعلى العلاقات الاجتماعية بما يفوق قدرة تلك البلاد على الاحتمال.

وفيما تتواصل هذه الأزمة فإنها لا تتحدى نهج فض المنازعات التقليدية والاستجابات الإنسانية فحسب، بل تتحدى أيضا الآليات المعتادة للاستجابة من خلال المعونات، فقد تجاوزت الأزمة النطاق الإنساني النمطي المتمثل في توفير الغذاء والمأوى والخدمات الأساسية للنازحين داخل سورية واللاجئين إلى البلاد المجاورة، وصارت الآن تشمل مجموعة معقدة من القضايا الأمنية والإنمائية.

وفي ظل وجود ما يقرب من 8 ملايين نازح داخليا في سورية وعيش 85% من اللاجئين في البلاد المجاورة لسورية في أحضان المجتمعات المحلية الأشد فقرا وضعفا، أضحى التنافس على فرص العمل والإسكان والأرض والمياه والأساسيات الأخرى يؤجج التوتر بين السكان المحليين واللاجئين، وهو ما ينطوي على عواقب مدمرة لكل الأطراف.

وفي استطاعة المجتمع الدولي أن يساعد المجتمعات المحلية داخل سورية بتوسيع نطاق الاستجابة لمساندة سبل كسب العيش وتقديم الخدمات الأساسية للأفراد الأشد ضعفا، كما يمكنه إبداء قدر أكبر من التضامن مع البلاد المجاورة بمساعدتها على حماية استقرارها والحفاظ عليه، وتعزيز اقتصاداتها ورفع مستوى بنيتها التحتية وتحسين خدماتها العامة، لتلبية حاجات سكانها فضلا عن حاجات ذوي الحاجة من اللاجئين الذين تستضيفهم.

في هذا السياق المليء بالتحديات، وبالتعاون مع البلاد المتضررة، أطلق المجتمع الدولي في ديسمبر الماضي في برلين جيلا جديدا من خطط الاستجابة للتصدي للأزمة السورية في أوسع وأعمق تجلياتها، شمل خطة الاستجابة الاستراتيجية في سورية 2015 والخطة الإقليمية للاجئين، ولتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات 2015-2016، وذلك تحت القيادة المشتركة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

تجسر هاتان الخطتان معا الفجوات التقليدية الكائنة بين المساعدات الإنسانية والمساعدات الموجهة إلى اللاجئين والمساعدات الإنمائية، وهو ما يمثل التحول الاستراتيجي المطلوب من أجل استجابة شاملة وفعالة، ليس داخل سورية فحسب، بل بما يشمل أيضا المنطقة الإقليمية المتضررة من الأزمة بأسرها، وهي سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم. 

تسعى خطة الاستجابة الاستراتيجية في سورية 2015 إلى جمع ما قيمته 2.9 مليار دولار لتوفير الدعم الإنساني الضروري لأكثر من 12 مليون شخص. وبمقدور هذه الخطة، إذا حظيت بالمساندة الكاملة، أن تسهم في إحلال مزيد من الاستقرار في أجزاء من سورية، وقد تخفض بدرجة كبيرة تدفقات اللاجئين الذين يتواصل فرارهم منها. 

وأما الخطة الإقليمية للاجئين ولتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات 2015-2016 فتمثل ابتكارا في أسلوب استجابة المجتمع الدولي للحاجات الإنسانية العاجلة، بالتوازي مع وضع الأساس لحلول إنمائية أشمل وأكثر استدامة وأقدر على الصمود وأكثر فعالية من ناحية التكلفة، وهو تحوّل مبشّر في النهج.

وإذ تتأسس هذه الخطة على أولويات البلاد المعنية، فهي تفصل خططا تتمتع بالملكية والتوجيه الوطنيين الكاملين، وتعتمد على أكثر من مئتي شريك. ويتطلب تنفيذ الخطة الإقليمية للاجئين وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات 2015-2016 ما قيمته 5.5 مليارات دولار للتصدي لآثار الأزمة في تلك البلاد، سيخصص ثلثها لمساندة جهود التنمية وبناء القدرة على مواجهة الأزمات.

إن مؤتمر الكويت الدولي للمانحين من أجل سورية يمثل فرصة لاستجابة متماسكة وشاملة. ففي 31 مارس 2015 تجدد دولة الكويت استضافتها الكريمة للمؤتمر الدولي الثالث للمانحين من أجل سورية للمساعدة على تمويل أكبر نداء تطلقه الأمم المتحدة في تاريخها بشأن أزمة منفردة.

وتستدعي الاستجابة الشاملة الجديدة من كل الأطراف الدولية المعنية التي تعرض المساندة من خلال مؤتمر الكويت الدولي الثالث إلى إعادة النظر في منهجيات مساعداتها، لتنسيق جهود وزاراتها المتخصصة في الشؤون الإنسانية والإنمائية والأمنية والخارجية، فضلا عن المجتمع المدني والقطاع الخاص، إلى العمل على تنفيذ أجندة بناء القدرة على مواجهة الأزمات بما يعود بالنفع على الجميع.

فعلى سبيل المثال، تحقق الخطة الإقليمية للاجئين ولتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات 2015-2016 مستويات عالية من الدمج بين التخطيط الإنساني والإنمائي بهدف التغلب على الفجوة القائمة بين نهج المعونات الإنسانية والإنمائية، ولن ينجح هذا الدمج الهادف إلى بناء القدرة على مواجهة الأزمات بشكل مستدام إلا إذا حولت الجهات المانحة نهجها للمسار ذاته، وواءمت بدرجة كبيرة مخصصاتها الإنسانية والإنمائية، إن لم تدمجها تماما.

ويفرض هذا النموذج الجديد تنسيقا حقيقيا في استخدام الموارد الإنسانية والإنمائية لمساندة أولويات النداءين معا، ويتطلب بدوره تحسينا في التدابير القائمة لتقديم المعونات وإدارة تدفقاتها على المستوى القطري. كما سيعزز التنسيق الكامل مع خطط الاستجابة الوطنية فرص التنسيق بين الجهات المانحة ومخصصات الموازنات، خاصة من خلال إنشاء أنظمة موثوقة للتتبع المالي ولرفع التقارير حول النتائج.

خلال عام 2014، تلقت كل نداءات الأمم المتحدة ما يزيد قليلا على 50% من التمويل المطلوب، وتخطت الحاجة إلى المعونات بشكل مضطرد القدر المتاح من إسهامات المانحين، وفي إطار تناقص المعونات الإنسانية الدولية.

المضارون من جراء الأزمات حول العالم يحتاجون منا اليوم إلى إزالة مقاربات تصنيف وتجزئة التمويل والاستفادة الكاملة من كل خيارات التمويل الثنائية ومتعددة الأطراف سعيا إلى تحقيق السلام والأمن. 

لقد قطعنا شوطا بعيدا منذ آخر نداء للتمويل، فلنجعل 2015 عاما مشهودا يحدث تغيّرات ملموسة في استجابتنا للأزمة السورية على جبهات عدة. ويوفر مؤتمر الكويت الدولي الثالث للمانحين من أجل سورية فرصة مهمة لذلك، فدعونا لا ندّخر جهدا في اغتنام الزخم الذي يوفره.