في يوم السبت الماضي دعا الملك سلمان بن عبدالعزيز أمام القمة العربية، المنعقدة في شرم الشيخ، إلى إعادة هيكلة الجامعة العربية وتطويرها، ودمج القمتين التنموية والعادية في قمة واحدة.
وبالرغم من أن جامعة الدول العربية تعتبر أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وأول كيان يجسد فكرة الوحدة العربية، التي اجتمع عليها الرأي العام العربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا أن هذه الجامعة في أمس الحاجة لإعادة الهيكلة، ليس على الصعيد الإداري فحسب، وإنما في مسارها السياسي والاقتصادي والتنموي، حتى تمتلك الكفاءة والفعالية المطلوبة وتصبح قادرة على التعامل مع التحديات الإقليمية والأزمات العالمية. فمنذ تأسيسها قبل 70 عاما عقد القادة العرب 40 اجتماع قمة، بينها 26 قمة عادية، و11 قمة طارئة، إلى جانب 3 قمم اقتصادية، وتكونت خلالها 11 مجلسا للوزراء و9 لجان دائمة و11 اتحادا في شؤون الصحة والزراعة والتعليم العالي والإعلام والعدل والداخلية والإسكان والنقل والبيئة والشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية.
اليوم يجب أن نعترف أننا نعيش هموم تراجع قدراتنا الذاتية في إيجاد الحلول الحاسمة لمشاكلنا المزمنة وإدارة كوارثنا اليومية التي تلحق بنا وتجرف أمتنا خطوة أخرى تجاه الهاوية. ولا بد أن نعترف بأن حاضر أمتنا العربية المظلم جاء نتيجة حتمية لضحالة خبرة خبرائنا وقلة حيلة علمائنا. فخبراء السياسة أصابتهم عدوى الخلط بين مناصر للربيع العربي ومناهض لتوقعاته، وعلماء الاقتصاد انتابتهم الحيرة بين الدولار واليورو، وأظلمت الدنيا أمام أعينهم في حلّ مشاكل الفقر والتضخم والبطالة وغلاء الأسعار.
اليوم يكفينا أن نقوم بزيارة لموقع جامعة الدول العربية على الإنترنت لنجد صفحاته خالية من البيانات التجارية والمؤشرات الاقتصادية لأي دولة عربية. فالصفحة الرئيسية تحتوي على 11 عنوانا ضخما يرتكز جميعها على أعمدة السياسة وطرق مواجهة احتلال عدو لأرض تقّل مساحتها عن 1% من مساحة العالم العربي ولا يزيد عدد محتليها عن 1,5% من أعداد سكان الدول العربية. والمواضيع الفرعية خلت جميعها من تعريف العالم بمؤهلات أمتنا العربية ومزاياها الاقتصادية وأنظمتها الاستثمارية، ما عدا صفحة أمانة المجلس الاقتصادي والاجتماعي الفقيرة بالمعلومات والمتخلفة بالحقائق. ولن نجد في الموقع الإلكتروني جدولا موحدا أو رسما بيانيا واضحا عن تجارة الدول العربية البينية وعلاقتها بالتجارة العالمية، وكأن أبجديات شؤون الاقتصاد ومعايير التنمية المستدامة لا تمت لبلادنا العربية بصلة.
اليوم يجب أن نعترف بأن جامعة الدول العربية، التي سبقت إنشاء المجموعة الأوروبية، أخفقت في تعريف الشعوب العربية بمحاسن الرؤية السياسية الموحدة ومبادئ السوق الاقتصادي المتكامل، فتجاهلت أهم مواضيع العصر وأخطر تيارات العولمة على شعوبنا وأمتنا. حتى مجالس الجامعة الوزارية واتحاداتها ومنظماتها القائمة، التي تصدرت أسماؤها صفحات الموقع الإلكتروني، اكتفت بمعالجة المواضيع العادية، وافتخرت بعلاقاتها مع تسع منظمات دولية فقط وأغفلت الإشارة إلى أقوى منظمات العالم على وجه الأرض.
اليوم حان الوقت لإعادة هيكلة جامعتنا العربية لتنفيذ اتفاقية الدفاع المشترك والأمن المشترك لنقف سدا منيعا أمام المنظمات الإرهابية، ونوقف مغامرات خطف المبادرات وافتراش الطرقات وإطلاق المظاهرات وتهديد الأبرياء بالشعارات. فاليوم علينا أن نزيل تُهمة الإرهاب، التي ألصقت بشعوبنا زورا وبهتانا، والدفاع عن سماحة ديننا الذي كان أول من اجتث جذور الإرهاب وأنزل العقاب الصارم بأصوله وفروعه.
اليوم علينا أن نوضح للعالم أجمع بأن حكوماتنا تفتخر بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان لأن شريعتنا السمحة كانت أول من أعتق الإنسان وأطلق حريته ومنحه كامل حقوقه. واليوم علينا تعديل صورتنا بين شعوب الأرض وأن الخير ينبع من أهدافنا والسماحة تتماشى مع مسلكنا وكريم تعاملاتنا، خاصة وأن كتابنا المنَّزل كان أول من أعزّنا بسماحة ديننا وكرّمنا بحُسْنِ خُلق رسولنا لنتشرف بأن نكون خير أمة أخرجت للناس.
اليوم يجب أن نبدأ بتشجيع مؤسسات الفكر وحماية حقوقها الأدبية وبراءات اختراعاتها الصناعية وعلاماتها التجارية، لأن سيرتنا العطرة أكدت على تحريم السرقة بكافة أشكالها وأنواعها وحذّرتنا من التدليس والتقليد وهددتنا بأن من غشنا فليس منا. واليوم علينا أن نبادر بتعديل مناهجنا الدراسية ورفع مستوى الفكر والمعرفة لدى أبنائنا، خاصة أن آباءنا وأجدادنا من علماء العرب والمسلمين كانوا أعظم من أثرى العلم والأدب وأفضل من أرسى مبادئ الطب والهندسة وأول من اكتشف طلاسم الفلك والرياضيات والجبر والفيزياء والفلسفة لتستفيد شعوب الأرض من علوم انكسار الضوء وقوى الجاذبية وتحديد جغرافية المناخ واستشعار حركة النجوم.
اليوم علينا تنشيط اتفاق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، التي أبرمت في عام 1997 وأقرت تخفيض التعريفات الجمركية تدريجيا بين 14 دولة عربية، ودعمها لزيادة حجم التبادل التجاري بين دولنا، إضافة إلى رفع مستوى التجارة الخارجية للدول العربية إلى أضعاف ما هي عليه. وعلينا اليوم أن نسارع إلى توحيد رسومنا الجمركية وتكوين تحالفاتنا الاستراتيجية وتنمية مواردنا الاقتصادية والدفاع عن مصالحنا التجارية ومكاسبنا الحيوية. بل حان الوقت اليوم لكي نقنع شعوبنا العربية بأن الصراعات العالمية تحولت منذ أمد بعيد من تكبد الخسائر جراء حروب القتل والدمار إلى تعظيم المكاسب نتيجة مفاوضات فتح الأسواق التجارية وإبرام الاتفاقات الاقتصادية والدفاع عن قضايا حقوق الإنسان ورفع مستويات التعليم والصحة والإسكان. اليوم علينا أن نعيد هيكلة جامعتنا العربية لنعتز بإنجازاتها كما أعزنا الملك سلمان بن عبدالعزيز بعاصفة الحزم.