ما بين صورة تتباهى فيها وزارة التربية والتعليم، معلنة أسفل منها أنها ترعى الطالب المعوق، وبين عدم وجود فصل دراسي يمكن الطالب صاحب الصورة نفسه من مواصلة تحصيله العلمي عبره، تبدو الحكاية اختصارا لعشر سنوات تراوحت بين تفاؤل كبير كان يمكن أن يغير حياة عبدالعزيز عبدالله محمد العلياني، وإحباط شديد أثر في مسيرته.

جاءت الفصول درامية، انتهت بشكل مؤلم، فلم يكمل عبدالعزيز الدراسة بعد إنهائه عام 1431 الصف السادس في مدرسة ابتدائية تحفيظ البشائر، حيث رفضه الدراسة في غير مدرسته التي ألفها واعتاد عليها وعلى من فيها، فاتجه إلى الانزواء في المنزل بعيدا عن زملائه ومجتمعه، وانحنى أمام قسوة الآخرين، بسبب تجاهل الوزارة مطالبه ومطالب أهله ومعلميه الممثلة في فتح فصل للأول المتوسط للتحفيظ في مدرسته التي يرفض الدراسة في غيرها، رغم عدم وجود غيرها للتحفيظ في المركز بكامله.

تتباهى الوزارة في منهجها للتربية الاجتماعية للصف السادس في طبعة هذا العام، وفي درس حقوق المواطنين بعرض صورة عبدالعزيز معنونة لها في الصفحة 119 بعنوان "توفير التعليم للأطفال المعاقين".

بداية الحكاية

لم يكن اليوم الدراسي الأول عام 1426 يوما عاديا في حياة عبدالعزيز، الشخص المختلف في رضاه بقدر الله، بعد أن ولد فاقدا لأطرافه العلوية، ولم يكن له سوى الاعتماد على قدميه فقط.

كان ذاك اليوم الأصعب في حياته، فهو يشكل بدء انضمامه إلى المدرسة، وتركه لأسرته للمرة الأولى في حياته.

ولم يكن صباحا عابرا عندما دخل إلى فناء مبنى مدرسة تحفيظ القرآن الكريم بمركز البشائر بمحافظة بلقرن شمال منطقة عسير التي تتبع تعليميا لإدارة التعليم بمحافظة بيشة، فقد كان عليه أن يخالط طلابا آخرين، وسيجلس على مقاعد الصف ليتلقى المعارف والمهارات مثلهم، وسينتظر مثلما ينتظرون قرع الجرس للخروج إلى الفسحة أو مغادرة المدرسة.

كانت الأسئلة تتناثر: كيف سيتناول إفطاره؟ وكيف سيقضي حاجته؟ وهل سينجح في دراسته، وهل سيتأقلم مع وضعه الجديد، وهل سيواصل حتى نهاية التعليم النظامي على الأقل، أم أن هناك من سيعوقه ويوقفه؟

يقول المربي الدكتور عبدالله الرشيدي محمد الشمراني الذي استقبله في ذلك اليوم في المدرسة "بدا عبدالعزيز عند تسجيله في المدرسة خائفا وقلقا، لكننا أدركنا أنه كان نجيبا وحياته في التعلم، حتى وإن كان فاقدا لأطرافه فإنه سيكون إن شاء الله صحيح العقل والنفس، وبدأنا نفكر كيف ننمي ثقته بنفسه، كيف يبني ذاته بعيدا عن التخوف والإحباط، فعملنا على تهيئته والاندماج معه حتى تحول جزعه وخوفه إلى فرح بالمدرسة، ما جعله يبدع في دراسته، ويتميز بمواهبه المتقدمة في الكتابة والرسم برجليه، والقراءة وقضاء كل حوائجه أثناء اليوم الدراسي بالاعتماد على نفسه، وبهذا التميز والانطلاق تحولت نظرته للمدرسة من عبء ثقيل عليه إلى واحة يتنفس فيها، ويلتقي بزملائه ومعلميه، وتكوَن لديه اتجاه نفسي إيجابي نحو المدرسة، واكتسب خبرات ممتعة له عززت رغبته في المدرسة من ذلك اليوم حتى حينه".

تغيرات طارئة

المرشد الطلابي سعد الشمراني وثق التغيرات التي طرأت على حياة الطالب خلال دراسته فقال "جاء عبدالعزيز إلى المدرسة عام 1426، والتحق بالصف الأول الابتدائي للتحفيظ بمدرسة البشائر، وكان فاقدا أطرافه العلوية (اليدين) وهي إعاقة ملازمة له منذ ولادته، لكنه يمتلك قدرات عقلية جيدة، ويستطيع التعويض باستخدام أطرافه السفلية (الأرجل) في تعامله مع أدواته ومهماته، وبدأ منذ بداية دراسته يمارس حياته الدراسية بشكل عادي مع اعتماده على والده في بعض المهمات كتناول وجبة الإفطار.

وفي عام 1429 في الصف الرابع تمكن من الاستغناء عن مرافقة والده، وأصبح يتناول الطعام بنفسه، إلا أنه أصيب نهاية عام 1430 بمرض السكر، وتم تحديد جرعة العلاج المناسبة له وتأهيله للتأقلم مع الوضع الصحي الجديد، بحيث يتناول الدواء في موعده ويبتعد عن السكريات والحلويات والدهون، وعاد والده لمرافقته وقت الإفطار ومناولته طعامه ودواءه، وتم توجيه عبدالعزيز وإرشاده لبعض الجوانب الجديدة التي طرأت عليه مثل متابعة الوزن واعتماد برنامج للحركة والرياضة وتم بحث حالته العمرية الجديدة وخصائصها مع وليه وما يتوجب على أسرته، واستمر والده معه مع قيامه بمتابعة ابنه المتابعة الدورية في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض.

وتكيف الطالب مع بيئته وتأقلم مع الوسط الدراسي ومع مجتمعه وهو يؤدي صلاة الجمعة في المسجد ويحضر المناسبات وليس لديه عزلة أو انطواء ولله الحمد، وتخرج من المدرسة بنهاية عام 1431".

منظور آخر

أما الجانب الآخر للقصة فيرويها عبدالله محمد العلياني والد عبدالعزيز، ويقول "كان عبدالعزيز مرتاحا في مدرسة البشائر الابتدائية، فقد اعتاد زملاءه ومعلميه، لكن بعد إنهائه الصف السادس رفض الانتقال لأي مدرسة أخرى غير مدرسته، وبدا متخوفا وقلقا من نظرات السخرية والاستهزاء التي سيجدها في المدرسة المتوسطة الجديدة، ومن ثم رفض رفضا باتا التسجيل في أي مدرسة أخرى، ما دعاني لأن أتقدم إلى وزارة التربية والتعليم لشرح ظروف ابني، وطلب فتح صف أول متوسط للتحفيظ في البشائر، وقمت باصطحاب ابني مع مرافقة مدير المدرسة وتوجهنا للوزارة، وقابلنا نائب وزير التربية والتعليم فيصل بن معمر الذي تحدث مع عبدالعزيز ووعدنا خيرا، وشرح على طلبي إلا أن مطلبنا لم يتحقق كما أفادتني إدارة التعليم، ورفض ابني إكمال دراسته وأصبح مع عجزه عاطلا في المنزل من دون تعليم أو دراسة".

غياب الاهتمام

من جهته، قال مدير مدرسة تحفيظ القرآن بالبشائر مسفر علي الشمراني الذي صحب عبدالعزيز ووالده إلى الوزارة "أن يولد عبدالعزيز من دون ذراعين فإن ذلك لم يكن عائقا أمامه لأن يقول للأسوياء أنا مثلكم أستطيع أن أتعلم، وكل ابتلاء من الله هو منحة ربانية، لكن العائق والمحزن أن تفاخر الوزارة وتمن عليه وعلى أمثاله وتجعل منه أنموذجا لاهتمامها بذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك حينما جعلت صورته متصدرة كتاب التربية الاجتماعية للصف السادس في إشارة منها لاهتمامها بمثل حالته، لكنها في الواقع لم تهتم به غير الجانب الدعائي، فوضع صورته في مقرراتها استفز وبقوة المجتمع المدرسي والمجتمع المحيط به، حيث خذلته الوزارة وجعلت منه إنسانا محبطا ومنطويا".

وكان مدير المدرسة وكل المعلمين والعاملين فيها هيأوا البيئة لعبدالعزيز طفلا وأغدقوا عليه حنانهم الأبوي فلم يشعر يوما بأنه طالب وهم معلمون، بل كان يشعر بأنه الابن وبأنهم الآباء، وحين اجتاز الصف السادس كان يصعب عليه مقارنة هذه الأسرة المدرسية بما قد يجده في مدرسة أخرى، وربما في مجتمع يزدري المعوق، وكان شرطه الوحيد للمواصلة أن يبقى في مدرسته، ولذا تعاطف معه الجميع، وتقدموا للوزارة بطلب فتح فصل للصف الأول المتوسط.

وبعيدا عن أحقية عبدالعزيز في وقوف الوزارة معه، فإن المنطقة تستحق فتح مدرسة متوسطة لاعتبارات كثيرة ذكرها مدير التعليم حين رفع خطابا للوزارة وهو الأدرى بظروف المنطقة وحاجتها.

ولم توافق وزارة التربية والتعليم على إحداث فصل أول متوسط لتحفيظ القرآن بالبشائر، حيث خاطب مدير التربية والتعليم بمحافظة بيشة في حينه بالنيابة بريك عبدالله الصفار في خطاب أطلعت عليه "الوطن" مدير المدرسة بأنه بناء على الاستدعاء المقدم من المواطن عبدالله محمد سالم وهو والد عبدالعزيز لمقام الوزارة بخصوص إحداث فصل أول متوسط لتحفيظ القرآن بالبشائر، مفيدا بأنه سبق وأن رفع لمقام الوزارة بهذا الشأن وبعد دراسة الطلب من المختصين في الوزارة جاءت الإفادة بعدم إمكان تجاوز النسب المحددة لإحداث المدارس في ضوابط اللجنة العليا لسياسة التعليم، ما يتعذر معه إحداث ذلك الفصل.