ستروان ستيفنسن عضو البرلمان الأوروبي ردد مرارا عبارة "هوارد دين": "الغرب أصيب بمرض سذاجة الرأي" تعليقا على سماح أوروبا وأميركا لإيران بالسيطرة على العراق، لكن في الواقع من سمح بسيطرة إيران هم العراقيون أنفسهم، العراقيون الذين أغنوا التاريخ بحضارتهم من قبل بابل مرورا بمكتبة الحكمة والعصر العباسي الزاهر، وحتى تحت طغيان ديكتاتورية صدام كان هناك الوردي والسياب وغيرهما، أمال الشعب العراقي بوصلة الرأي نحو الشرق، نحو ثورة ملالي كل يوم تثبت فشلها ويئن الناس تحت دعاوى الكذب والتيه والضلال، مجموعات من البشر خلقت للشر والاستقواء على الأضعف والأقل عددا.
صم الشعب العراقي أذنيه عن صرخات المظلومين في بلاده حتى وجد الكثير منهم نفسه حليفا للشيطان متمثلا في مجموعات الإرهابيين من داعش والقاعدة، لقد سلم العراقيون أنفسهم لإيران بالكامل، وتفتت الجيش الأقوى في العالم ليصبح أفرادا تابعين لسيطرة جنود لطالما أذاقهم السوط العراقي طعم الألم، ليشاهد العالم جنود الجيش العراقي وهم يخلعون لباسهم العسكري ويهربون من دواعش في غالبيتهم مراهقون ومقاتلون غير مدربين، فماذا فعلت إيران للجيش العراقي؟ وكيف سقته مرارة الجبن والانهزام؟
الغريب أنه بعد أن استنجد العراقيون بجيوش التحالف، وبعد أن رأى العالم عجز الجندي الإيراني في عاصمة الرشيد - قرر العالم أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، فجاءت عمليات التحالف لضرب داعش بطيارين سعوديين وإماراتيين وغربيين، ومع أول بوادر الانتصار أصيب العراقيون بالعمى، فرأينا رجال العراق الذين لا زال يذكرهم التاريخ يقبلون رأس قاسم سليماني في العراق، وماذا فعل قاسم سليماني يا عراق حتى تقبل رأسه؟ لماذا لم ينتصر على فلول الدواعش قبل مجيء قوات التحالف وضرباتها؟
لا تستطيع أن تلوم أمة تم تجهيلها وإغراقها بوحل الطائفية عبر تهميشها خلال عشرات السنين، لتجد نفسها غير قادرة على تمييز الحقائق المشاهدة بالعين المجردة، وتظن أن النصر يأتي باستنصار بلد يئن شعبه الشيعي تحت وطأة الظلم لمجرد اختلاف العرق واللون.
إن ما حدث في العراق هو وليد الكراهية والإقصاء، هو من يجعل الشيعي اليوم يقاد من إيران والسني من القاعدة وداعش، وما يحدث في اليمن ليس بعيدا عن ذلك.
أن يصبح الحوثي شيعيا لهو أمر يثير الدهشة، فالمذهب أقرب للسنة، فمن أسقط الحوثيين في حضن إيران؟ إنه الإقصاء والتفقير والتجهيل، وهي الأمور التي تصنع كائنا متوحشا ثم تعطيه سلاحا، وهو ما رأيناه في شوارع صنعاء.
لقد شاهدنا جميعا في الأيام الماضية الجعجعة الإيرانية ولم نرَ طحينا، لقد خذلت إيران الحوثي وتركته يواجه مصيره أمام الائتلاف الخليجي الذي تعب من الصبر والتغافل، وترك للشعوب العربية حقها في تقرير مصيرها، لكن عندما أصبحت إيران تفكر بما هو أعلى من طاقتها وأقوى من قدراتها كان يجب أن يريها حقيقة الموقف، وأن القوي وإن تغافل يبقى قوياً والجبان جبانا!
هل الدم الإيراني أغلى من دم الحوثي؟ نعم، لذا سمعنا صرخات خبراء إيران وجنود حزب الله وهي تطلب الخروج من اليمن بعد ضربات الائتلاف، لقد فروا من المعركة وتركوا الحوثي عاريا إلا من هزيمة الخيانة والتحالف مع الشيطان.
انكشاف الضعف والجبن الإيراني وافتضاح قدراتهم التنظيمية والعسكرية وانهزامهم وخذلانهم لكل من عاهدهم هو درس لكل من يتعلق بقوة خارجية ويظن أنها ستضمر الخير له ولبلاده ومستقبل أطفاله، كما إنه درس للبلاد العربية يستلزم سحق الطائفية والمناطقية وسد كل خلل أو جحر قد يتسلل منه لئيم خارجي كإيران وغيرها، لأنه في النهاية الخاسر هو المواطن والوطن.
إذا أردنا وطنا لأبنائنا وأحفادنا فلتكن السعودية وأمنها أولا، لا تعط فرصة لعدو خارجي أن يقودك لخيانة بلدك، فإنه سيفعل مثلما سيفعل الشيطان يوم القيامة، وإن من أهم واجبات المحافظة على الوطن ألا تحارب مواطنيك لمجرد اختلافهم عنك، وإذا كنت واثقا من صحة ما تؤمن به فلا تدع الشتائم وسيلتك للدعوة وإلا جعلتنا نشك جميعا في صحة مذهبك.
السعودية من دول قلائل لا تشير لدينك أو ملتك أو طبقتك أو مستواك في بطاقة هويتك، لكنها تقول إنك سعودي، وهذا كاف جدا ليكون الجميع على درجة واحدة من المساواة، والمساواة هي التي تخلق السعادة للمجتمع وتزيد من تآلفه ووحدته.
إن ما يحدث العراق واليمن وخذلان إيران للجبناء فيهما يعطينا جميعا درسا في أمور عدة ربما أهمها: أن قول الحق يؤذن به من داخل وطنك لا من منابر غيرها.