لم يكن استنهاض الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي" لدول الخليج العربي وعلى رأسها الأخت الكبرى المملكة العربية السعودية استنهاض رجل أحاطت به النوائب من كل اتجاه، بل كان استنهاضا من شعب ودولة هدد الإرهاب أمنهما وسلامتهما وسيادة أرضهما واستقرار بلادهما. فالمملكة ودول الخليج بأكملها لها إرث كبير في حماية المستجير ولا نزال نتمسك بهذا الإرث الذي كون وجداناتنا، ولذا فحين نادى اليمن لبت المملكة وأخواتها النداء، لأن اليمن إرث حضاري كبير يضرب جذوره في عمق تاريخ الجزيرة، وكذلك مكوناتها الفكرية والعقائدية، وهي الجارة والحدود والأمن الممتد لها واستقرار السعودية بوجه خاص. وقد عزز ذلك فتوى علمائنا ليلة أمس بالمساندة والمؤازرة لشعب انهال عليه الرصاص من كل صوب، وقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين).

كما أن شعب اليمن تجري دماؤه في عروقنا عبر وحدة الدم واللغة والدين والإرث الحضاري، فكلما دفق دم لأخ يمني دفقت دمعة دم من عيوننا، لأنه أخ وشقيق وجار وإرث مشترك وأمن ممتد لنا. ولذلك حينما قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في خطابه الذي كان في إثيوبيا منذ ثلاثة أيام إن نهر النيل حبل سري يربط شريان الحياة بين البلدين، فذاك هو القول نفسه ولكن في مكان آخر، وهو أن هناك شرايين عديدة تربط بين دولتي اليمن والسعودية لا يمكن قطع أوصالها.

لم يكن تحرك المملكة ودول الخليج والدول العربية والإسلامية في "عاصفة الحزم" إلا عبر مواثيق دولية، خاصة ميثاق الجامعة العربية الذي نص على حق الدفاع المشترك، عبر ميثاق الشرعية الدولية وحمايتها، فالرئيس عبدربه منصور هادي رئيس شرعي منتخب من أبناء شعبه، ولم يعد لبسط القوة وأخذ الحكم بالعنوة من أيدي الشعوب مكان في العالم مثلما تفعله جماعة الحوثيين، فالسيادة والشرعية للشعب ولرئيسه المنتخب حق شرعي ومكفول، ولذا استنهضت اليمن ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق دول التعاون الخليجي بدرع الجزيرة الذائد عن بلاده وعروبته وقيمه المتوارثة، الذي سبق واستنهض مرات عديدة في حماية أي دولة يتم تهديد استقرارها من قريب أو بعيد، وأبرزها حرب الكويت عندما كان الغزو العراقي عام 1991، وكذلك عندما طلبت البحرين تدخل درع الجزيرة إثر قلاقل وشغب كان يهدد استقرارها وسيادتها.

أما بالنسبة لمواقف المملكة من وقوفها إلى جانب دولة اليمن فالتاريخ يتحدث عن تلك المواقف، فدائما ما تذود المملكة عن اليمن وتسرع إليه كلما نادى واستصرخ. لبت المملكة وعلى عجل، وبحسب مواثيق بين الدولتين لتقف درعا حامية لهذا البلد المهم وصاحب الموقع الاستراتيجي المهم أيضا والذي دائما يعرضه للغزو والقلاقل.

ففي عام 1934 كان "اتفاق الطائف"، وهي معاهدة تمت عام 1934 بين المملكة المتوكلية اليمنية، والمملكة العربية السعودية، عقب مفاوضات بين الجانبين تمت في مايو 1934، بوساطة المجلس الإسلامي الأعلى، ذلك الاتفاق المهم للغاية بينهما، وهو اتفاق خاص بتعاون الطرفين في كشف العناصر المعادية لنظاميهما.

وعندما قامت الثورة "ثورة الدستور" وهي انقلاب مسلح قاده الإمام عبدالله الوزير على المملكة المتوكلية اليمنية في فبراير 1948 لإنشاء دستور للبلاد، حينها قتل الإمام يحيى حميد الدين ببندقية الشيخ علي بن ناصر القردعي في منطقة حزيز جنوبي صنعاء. وأزيح آل حميد الدين من الحكم، وتولى عبدالله الوزير السلطة كإمام دستوري، فشل الانقلاب بعد أن قام الإمام أحمد حميد الدين بثورة مضادة مؤيدة بأنصاره من القبائل استطاع خلالها إجهاض الثورة وإعدام الثوار. وبالتالي لم تقف السعودية مكتوفة الأيدي إزاء الوضع آنذاك، بل قدمت الدعم للإمام أحمد الذي كان مؤيدا من قبل القبائل فنجح في استعادة السلطة.

وحينما حاول بعض المتمردين إشعال الفتنة بين اليمن والمملكة في حرب الوديعة كانت السعودية حريصة على تأكيد أن الأمر ليس تورطا في الحرب الحالية بصعدة، وإنما دفاع عن سيادتها وأراضيها، وهو حق أقرت به الحكومة اليمنية التي يربطها مع الرياض تحالف وثيق، خصوصا في المجالين الأمني والعسكري. كما أن المملكة سبق لها أن واجهت الحوثيين في 2009، حيث دارت معارك بين قواتنا والحوثيين، وذلك بسبب تسلل الحوثيين بريًّا في جبل الدخان في قرية الخوبة الحدودية، وأرسلت المملكة جيشها لمقاومة الحوثيين المسلحين حماية لأمنها وسلامة أراضيها.

وبالتالي، فإن اتساع نطاق المواجهات المسلحة في صعدة آنذاك، وتصاعد نفوذ وقوة الحوثيين كجماعة تحيطها شبهة الارتباط بالنظام الإيراني يجعل من السهل التعاطي بموضوعية مع فرضية مبادرة الرياض بالتدخل لصالح دعم الإمكانات المالية والعسكرية للحكومة اليمنية، لتمكينها من مواجهة التحدي واستقرار بلادها من أي تدخل خارجي كما ذكر كثير من المحللين السياسيين آنذاك.

وبالتالي فإن المملكة ودول الجوار دائما يتحتم عليها - ويصبح من حقها - استخدام كل الطرق لحماية العمق الأمني لها وحماية حدودها من مخاطر الحوثيين، وحفظ استقرار اليمن ليبقى آمنا مستقرا يحظى بكل حقوقه الشرعية في أمن وسلام.