من الطبيعي أن تقوم الجامعات بدورها التعليمي المصطلح على تسميته بـ"التعليم العالي" والذي يهتم بشريحة عمرية معينة من المتعلمين، ولكن من غير الطبيعي ومن الخطأ أيضاًَ، أن يسود الاعتقاد بأن دور الجامعات يقف عند هذا حد التعليم فقط! فلو توقف دورها عند ذلك سوف تكون أشبه بالمدرسة القديمة المعروفة بـ"الكتاتيب"؛ لأن الحدود الجامعات لا تقف عند الأدوار المعرفية والتربوية-رغم أهميتها- بل تتعداها إلى الدور الاجتماعي الذي يصقل أبناء المجتمع الواحد في التواصل والعمل الاجتماعي والوطني، وخاصة بين فئة الشباب.

وحينما يصل المجتمع إلى درجة متقدمة من الوعي، يستشعر أهمية الدور التي تؤديه الجامعات فينخرط ويشارك فيه، ولذلك نجد في الدول المتقدمة مثلاً، أن الجامعة تكون مقراً للمحاضرات والمناظرات لأهم المفكرين والسياسيين، إضافة إلى قيامها بدورها الريادي فيما يتعلق بنشر الوعي في المجتمع من خلال مسؤوليها وأساتذتها وطلابها، وإضافةً لكل ذلك تكون الجامعة مصدراً اقتصادياً لأبناء البلد، فتتحول إلى ما يشبه خلية النحل، وهنا يكون ارتباط الجامعة بالمجتمع مادي ومعنوي، ومن هنا تبلورت فكرة الجامعات الحديثة في كونها حلقة الوصل بين أبناء المجتمع الواحد، من خلال ما تقوم به دور اجتماعي ووطني على أصعدة مختلفة.

إلا أن الأمر الذي لا يجوز تجاهله أبداً، هو أن بعض الجامعات السعودية لا ترتبط بمجتمعاتها المحلية من خلال إستراتيجية (خدمة المجتمع)، برغم وجود مراكز لخدمة المجتمع في كل الجامعات تقريباً، ولكن يبدو أن لغياب الإستراتيجيات، أو عدم تجديدها، دوراً في ذلك. وعلى سبيل المثال، تابعنا خلال الفترة الماضية احتفالات الجهات الرسمية في بلادنا باليوم الوطني، ومنها المؤسسات التعليمية، يكمن جزء من الدور الاجتماعي والوطني المهم التي تضطلع به الجامعات، وعلى سبيل المثال: يمكننا ملاحظة التميّز في احتفال الجامعة الإسلامية باليوم الوطني، حيث اتضحت أواصر التلاحم بين الجامعة والمجتمع خلال الاحتفال الذي تميز بفقرات من البيئة الاجتماعية، والثقافة المحلية للمدينة المنورة، فكان حضور الفلكلور الشعبي المعروف بـ"المجسّ"، وحضور الطعام المحلي المعروف بـ"البليلة" وحضور الزي التقليدي لمجتمع المدينة المنورة، كل هذه الأمور تعبر عن دمج الأصالة بالمعاصرة في الثقافة المحلية الحجازية التي تدخل ضمن الهوية السعودية، إضافة إلى ما تضمنه الاحتفال من فقرات أخرى، بحضور معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور محمد العقلا، ووكلائها وأساتذتها وطلابها.. ويمكن ملاحظة الجهود الكبيرة للجامعة التي بُذلت خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث ارتبطت الجامعة بمجتمع المدينة من حولها، وخلال الاحتفال بيوم الوطن من الطبيعي بروز الانتماء والهوية الوطنية، ولكن التميز في بروز ثقافة المجتمع الحجازي في المدينة المنورة داخل إطار الثقافة الوطنية السعودية.

وعلى الرغم من أن فعاليات اليوم الوطني للملكة العربية السعودية بدأت بالتطور نسبياً عن السنوات الماضية، فإن الاحتفالات العامة ما زالت في أطر محدودة، ومن القليل أن نجد منها ما يتميز بالتواصل الثقافي مع المجتمع، على الرغم من أن المأمول في فرصة كاليوم الوطني أن تكون (يوماً شعبياً) قريباً من قلوب الناس تتاح فيه فرص الإبداع، وصناعة الفرح، وخلق المتعة الحقيقية.

أما المؤسسة التعليمية فدورها الاجتماعي يعتبر لا يقل أهمية عن دورها الأكاديمي، وذلك من منطلق مسؤوليتها تجاه مجتمعها ووطنها، فالقيام بالدور الاجتماعي لا يأخذ شكلاً واحداً، ورغم أن الدور وهدف الجامعات يختلف عن دور وهدف الجمعيات إلا إنّ كل منهما يفترض أن يكون مكملاً للآخر بالتعاون معه ودعمه، وذلك من منطلق كون الجامعات لا تمارس فقط دوراً تربوياً وتعليمياً، بل تمارس دوراً اجتماعياً ووطنياً مهماً، ينعكس على المجتمع بشكل مباشر، وبالتالي فإن دور الجامعات بالنسبة للمجتمع ليس ثانوياً ولا هامشياً أبداً؛ ولذلك نحتاج في هذا اليوم إلى دعم وتشجيع الأفراد والمؤسسات للتعبير عن مشاعر الانتماء عن طريق الفعل الجماعي بالمشاركة الوطنية، وهنا تبرز أهمية مشاركة القطاع الأهلي للجامعات بالذات، وخاصة أنّ تجارب الدول الأخرى تثبت أن مشاركة "مؤسسات المجتمع المدني" تكون مميزة وفاعلة في الشأن الاجتماعي العام.