اتخذ مجلس الوزراء خطوات مهمة هذا الأسبوع لمعالجة الشأن الاقتصادي، وهي استمرار للقرارات الحاسمة التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حال تسلمه مقاليد الحكم في يناير، وكتبتُ عنها في الوطن في حينه (سلمان وترتيب البيت السعودي، 5 فبراير 2015).

الخطوة الأولى التي تم الإعلان عنها عقب اجتماع مجلس الوزراء الإثنين الماضي كانت موافقته على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بفرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز. ووجه المجلس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بإعداد الآليات والترتيبات التنظيمية لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى مجلس الوزراء تمهيداً لإحالته إلى مجلس الشورى لاستكمال الإجراءات القانونية المعتادة، ومؤشرا بحرص المجلس على سرعة إنجاز هذا الأمر، أكد أن يتم إنجاز ذلك على وجه السرعة.

الخطوة الثانية هي تحديد ارتباط صندوق الاستثمارات العامة بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بحيث يرأس مجلس إدارته رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويعين رئيس مجلس الوزراء أعضاء مجلس إدارته. ويعبّر هذا التغيير في ارتباط الصندوق عن درجة الأهمية التي توليها الدولة الآن لتنمية استثماراتها بما يعزز مواردها من جهة، ويحفّز الاقتصاد السعودي ويرفع معدلات نموه من جهة أخرى، عن طريق ضخ استثمارات الدولة بصفة مستمرة ومزمنة لتتوافق مع احتياجات الدورة الاقتصادية، بحيث تزيد وقت الركود لتحصين الاقتصاد من آثار الأزمات الاقتصادية الخارجية. ومما ينبغي أن يستهدفه صندوق الاستثمارات العامة كذلك تنمية بدائل اقتصادية تصب في مصلحة الأجيال القادمة، بعد نفاد البترول أو تدهور أسعاره.

ولكي يقوم الصندوق بمهامه على الوجه المطلوب فإن من المناسب تحويل جزء من الاحتياطات التي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي إلى الصندوق. فخلال السنوات الماضية حققت المملكة العربية السعودية فوائض عالية نتيجة الزيادة في إنتاج البترول وارتفاع أسعار النفط الخام. وتم تحويل بعض تلك الفوائض إلى أصول احتياطية تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي، أغلبها على هيئة استثمارات في أوراق مالية في الخارج. وقد تجاوزت تلك الأصول تريليوني ريال. ومع أن احتياطات الصين واليابان تتجاوز هذا الرقم بالقيمة المطلقة، إلا أن احتياطي المملكة هو الأعلى في العالم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تجاوزت قيمة تلك الأصول (90%) من حجم الاقتصاد السعودي.

وحسب المتعارف عليه دوليا، تستخدم البنوك المركزية الاحتياطي لدعم السياسة النقدية في المقام الأول، أي لتحقيق استقرار العملة على المدى القصير والمتوسط، ولإدارة السيولة النقدية. ولأن الاحتياطي يُستخدم أساسا لهذه الأغراض، فإنه يتم الاحتفاظ به على شكل أوراق نقدية، أو ذهب، أو لدى صندوق النقد الدولي، أو في أوراق مالية قصيرة الأجل. ويُلاحظ أن معظم هذه الأدوات ذات مردود متواضع (عدا الذهب) أو ليس لها أي مردود على الإطلاق، ولكن يتم الاحتفاظ بالاحتياطي على هذا النحو بهدف تقليل المخاطر وزيادة نسبة السيولة.

ولكن الأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد الآن تجاوزت بمراحل احتياجات السياسة النقدية. فعادة ما يُحدد الحد الأدنى للاحتياطي بما يكفي لتغطية قيمة الواردات لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر. وفي المملكة يعني ذلك بين (25) إلى (30) بليون دولار، في حين أن الاحتياطي الذي تحتفظ به المؤسسة يغطي قيمة واردات (65) شهرا، أو نحو عشرين ضعف المستوى المطلوب!

ولذلك، فإنه من الممكن تحويل نحو 80% أو أكثر من هذا الاحتياطي إلى صندوق الاستثمارات العامة، دون إخلال بمتطلبات الاحتياطي النقدي المطلوب.

الخطوة الثالثة التي اتخذها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة هي ربط عدد من الصناديق الأخرى بجهات الاختصاص، كل حسب مجاله، بدلاً من ارتباطها الحالي بوزارة المالية. وأوضح مجلس الوزراء مغزى ذلك بـ"إعادة ترتيب الأجهزة التي تشرف عليها أو ترتبط بها تنظيميا، بحيث يكون ارتباط كل جهاز منها بالجهة التي تتماثل اختصاصاتها مع النشاط الذي يباشره أو الغايات التي يسعى إلى تحقيقها." وسيكون لذلك أثر ملموس على تبسيط الإجراءات والتسهيل على المواطنين بحيث لا يحتاجون إلى مراجعة دوائر حكومية مختلفة وفتح ملفات متعددة، بل ستقتصر مراجعاتهم على دائرة واحدة. وبناء على قرار المجلس سيكون ارتباط البنك السعودي للتسليف والادخار بوزارة الشؤون الاجتماعية، باعتبار عمل البنك مكملاً لما تقدمه الوزارة من مساعدات للأفراد والأسر المنتجة والمحتاجة ومحدودي الدخل.

وسيكون ارتباط المؤسسة العامة للتقاعد بوزارة الخدمة المدنية، حيث الوزارة مسؤولة عن جميع إجراءات الموظفين وتحتفظ بكل بياناتهم منذ تعيينهم وإلى حين تركهم الخدمة الحكومية.

وبالمثل سيكون ارتباط صندوق التنمية الصناعية بوزارة التجارة والصناعة، ويكون ارتباط صندوق التنمية الزراعية بوزارة الزراعة، ويرأس مجلس إدارته وزير الزراعة.

الخطوة الرابعة هي تأكيد المجلس قراره السابق منذ أكثر من عشر سنوات بـ"نقل أي نشاط له صلة بالجانب الاقتصادي من وزارة المالية إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط، واستكمال ما يلزم من إجراءات حيال ذلك."

الخطوة الخامسة والأخيرة هي تأكيد المجلس على "الرغبة السامية بتمكين وزارة المالية من القيام بمهماتها ومسؤولياتها واختصاصاتها الأصيلة التي أنشئت من أجلها. "ففي فترة تنخفض فيها أسعار البترول بشكل يؤثر كثيراً على الإيرادات النفطية، وتواجه فيها المالية العامة تحديات كبيرة تتمثل في عجز الميزانية هذا العام بما يتجاوز 20% من الإيرادات، و5% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، فإن دور وزارة المالية الأصيل هو البحث عن طرق لسدّ هذا العجز، عن طريق زيادة موارد الدولة وترشيد نفقاتها. ومما يتصل بذلك الحاجة إلى تطوير النظام الضريبي والسياسة المالية بما يتوافق مع احتياجات المرحلة الحالية، ويجنّب المملكة ما قد تتعرض له من تحديات مالية في الدورات الاقتصادية المتقلبة.