شدد الناقد السعودي محمد الحرز على ضرورة تكريس "الحوار" بوصفه المرجعية الكبرى لجميع المثقفين والأدباء على اختلاف مشاربهم، مع التأكيد على اختبار ما لدينا من أفكار وقناعات على محك "الحوار"، موضحاً أنه منذ ما يقارب العقد من الزمن، كانت تلك الفترة تمتاز بهاجسين، هما: صد الهجمات الشرسة من طرف الغرب السياسي ضد الهوية الإسلامية، وهذه الهجمة الشرسة كانت بأثر الأحداث التي مرت بها المنطقة منذ الـ11 من سبتمبر وما تلاه من تداعيات أخرى، والهاجس الآخر هو فهم الآخر الغربي معرفياً في أبعاده الجغرافية والتاريخية والأدبية والفكرية، وهذان الهاجسان ولدا بعض الدراسات وجعلا الخطاب الإسلامي على اختلاف مشاربه يتوحد في صد هذه الهجمات والترجمة لكل هذه الهواجس.
وأشار الحرز خلال محاضرته "حوارية في الثقافة والأدب" مساء أول من أمس في منتدى أبوخمسين الثقافي في الأحساء إلى أن ما يسمى بـ"الربيع العربي 2011" أسهم في تصدع الآخر في داخل الهوية الإسلامية، وبدلاً أن يكون هناك جامع مشترك، وهي الهوية الإسلامية، أصبحت الطائفية تبرز إلى السطح، وظهرت شظايا الجامع المشترك في الرد والفهم والتحاور والتثاقف مع الآخر، وأصبحنا نرى المراكز التنويرية في الوطن العربي التي كانت مراكز إشعاع وتنوير، هي التي بدأت تبرز فيها الطائفية بشكل كبير، وما كنا نظنه في تلك الفترة أن المغرب العربي يشكل مرجعاً مهماً في تطوير الفكر والثقافة، أصبحنا نرى كل ما هو متخلف في الوطن العربي يؤول إلى شمال أفريقيا.
وقال الحرز في المحاضرة التي أدارها الناقد كاظم الخليفة "ما كنا نراهن عليه في تلك الفترة من مشاريع تنويرية وتثقيفية أصبحت الآن في مهب الريح، وإن كثيرا من المفكرين العرب لا يؤمنون البتة في كل أفكارهم التي طرحت في تلك الفترة، وأصبحت المشاريع الإسلامية للإسلاميين هي من تقود الساحة الحالية، وتراهن عليها سواء بالأفكار أو الأطروحات أو بالإسلام السياسي، وهي ضغط قوي على مجمل التفكير، وما يزيد الطين بلة أيضاً أن هذه المنطقة دخلت في صراع مع بقية الطوائف، وأصبح هذا الصراع لا يدار بالطريقة التي نتمنى أن تدار فيها وهي الطريقة "الديموقراطية"، وإنما تدار بإثارة الصراع التاريخي.
وأضاف أن "الحوار" هو مرجعية كبرى في تراثنا الإسلامي، وهو ليس بالمفهوم السجالي وإنما بالمنطق الاستدلالي الذي تعلمنا منه قوته وحضوره، وهناك ما يسمى "آلة المناظرة" التي طمست من قبل كثير من كتاب النهضة وما بعد النهضة والعلمانيين، موضحاً أن الاختلاف ضرورة، وأن هناك فرقا كبيرا بين الاشتغالات الثقافية في الساحة العربية وفي الساحة الغربية، هذا الفارق يكمن في نظرية "المعرفة"، وهي التي تجعل المثقف الغربي يضع بينه وبين أفكاره مسافة يستطيع أن ينقد ذاته قبل أن ينقده الآخرون، لافتاً إلى أن المشاريع الفكرية العربية إما أيديولوجية كمشروع الجابري أو مشاريع تعلي من شأن المناهج الغربية، وتسقط الواقع العربي والإسلامي كما هو الحال، وهذه النماذج تجعلك متناقضاً.
وذكر أن ما يحدث في العالم العربي هو قفز لما يحصل على السياقات الثقافية، إذ إننا نريد تتبع أي ظاهرة في العالم الإسلامي كالعلمانية، نجد هناك اختلافا حولها عند المفكرين، يوقعهم في تناقضات سياسية واجتماعية وفكرية، أما الغرب فيختلفون في المناهج اختلافا معرفيا وليس صراعا فكريا أو اجتماعيا.
وشدد على أن كل تراث معرض للمساءلة، وأن الفكر الغربي عرض التراث الإغريقي للمساءلة، ولم يصل إلى حد الإلغاء كما فعلنا نحن، وأن الفكر الغربي طور الفكر اليوناني وفق الجدل المسيحي والتطور المسيحي الكنسي ولم يعزل الدين المسيحي عن تطوراته، مؤكدا على ضرورة فهم أن الفكر النقدي ينطبق على جميع التراث الإسلامي.
وفيما يتعلق بالأدب ذكر الحرز أن القوالب التي يبنى عليها الشعر تقرر مدى جمود أو حيوية الشعر وتدفعه نحو البروز أو الجمود، مبيناً أن الأدب العالمي يتميز بالتطور والتحرر، ويبقى الشعر العربي فقيراً جداً، ومهما حاول الشاعر العربي تطوير نفسه فإنه يبقى جامدا قابعا في بيته، بينما الشعر هو إقبال على الحياة وفهم متطور ومتجدد لها.