حتى لو رأى المعنيون غير ذلك فإن الواقع يعلن أن الرواية السعودية في حالة انحسار كمي ونوعي، لا تخفي الإضاءات التي تنبلج هنا أو هناك، ولكنها تبقى وهجا يلمع تارة ثم ينكفئ لأسباب كثيرة.

وإذا كان عالي القرشي يعلن أن "كتابات المبدعين الروائية محاولة من كل مبدع لبناء عالم يتحقق فيه التئامه، عبر رحلة من التشطي والقلق، ووجد المبدع أمامه العالم، فأخذ يسارع على اللحاق به واقتناصه وانتقاده وفض مشكلاته"، فإنني أتوقف عند الجزء الأخير من هذا القول، لأقول إن الخشية ربما من ملامسة هذا الواقع بالنقد، والخوف من التعامل مع مشكلاته التي يصعب فضها، خصوصا أن الغموض يغلفها باطراد، دفع كثيرين للبعد عن طرق أبواب الكتابة الروائية، لأنهم يفضلون الاستمتاع بمذاق العسل دون أن يجسروا على اقتحام "أعشاش الدبابير".

وحينما تصطف هذه الرهبة إلى جانب عوامل أخرى كثيرة، منها قسوة الممارسة النقدية، وتغير سلوكيات المتلقي الذي بات يبحث عن السهل، وارتفاع كلفة الطباعة، وغيرها من العوامل الجانبية، يمكننا أن نفهم حينئذ أسباب هذا الإحجام الذي تؤكد الأرقام تراجع الرواية فيه من تصدر المشهد، واحتلال المنصة الأعلى بين بقية الأجناس، لتحتل مرتبة ثالثة، متخلفة عن الشعر، ثم القصة، وربما تواصل هذه القهقرى لنجدها خلف أجناس أدبية بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تفرضها وتروج لها، وتنعش الإقبال عليها، مثل القصة القصيرة جدا، وما يتفرع عنها من أجناس مثل القصة الومضة والقصة التويترية وغيرها.