في الفترة الماضية، مع تزايد الطلب على السكن في المملكة، وصلت مساحة الأراضي البيضاء المحتكرة وغير المستغلة إلى نسبة تفوق 60% من مساحة العاصمة الرياض و35% من مساحة محافظة جدة و43% من مساحة كل من الخبر والدمام، ما أدى إلى ارتفاع قيمة سوق العقار السعودي إلى 2300 مليار ريال.
المملكة من الدول القليلة في العالم التي عانت احتكار مجموعة محدودة من المستثمرين لمساحات كبيرة من الأراضي البيضاء ولفترات طويلة، ما أدى إلى ارتفاع متوسط قيمة الأراضي السكنية في المملكة إلى 75% من تكلفة البناء، بينما لا تزيد هذه القيمة عن 23% في آسيا و24% في أميركا و43% في أوروبا.
وصاحب احتكار الأراضي زيادة غلائها وضعف بنيتها التحتية، ما أدى إلى انخفاض نسبة تملك السعوديين للسكن من 65% في خطة التنمية السادسة إلى 55% في نهاية خطة التنمية السابعة، وتزامن ذلك مع ارتفاع نسبة تكلفة إيجار السكن إلى متوسط دخل الأسرة من 26% خلال خطة التنمية السادسة إلى 30% خلال خطة التنمية السابعة، فعجزت السوق العقارية عن تلبية الطلب التراكمي على المساكن في نهاية خطة التنمية السابعة.
شريعتنا الإسلامية كانت سباقة في مكافحة الاحتكار بين كل دول العالم، فسبقت التشريعات الأميركية بأكثر من 1260 سنة، والألمانية بحدود 1350 سنة، والبريطانية بنحو 1360 سنة، وكان مجمع الفقه الإسلامي قد أقرَّ بحرمة الاحتكار شرعا، لأنه لا يوفر شرط الرضا في التجارة، ويجعل المشتري مُكرهاً على الشراء لسد حاجته. وصدر قرار المجمع رقم 8 الذي نص في فقرته الثالثة على: "تضافر نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته، كالغش والخديعة والاستغلال وتزييف حقيقة الربح والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة".
وإذا كان الأصل في الشرع يهدف إلى تشجيع التجارة ويمنع تدخل الدولة في تحديد الأسعار، فإن الاحتكار فرض تدخل الدولة لكونه خللا واضحا في شروط المنافسة العادلة، وضررا جسيما بمصلحة الفرد والمجتمع. وهذا ما أكدت عليه أيضا الفقرة الرابعة من القرار رقم 8 الصادر من مجمع الفقه الإسلامي التي نصت على أنه: "لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللا واضحا في السوق والأسعار ناشئا عن عوامل مصطنعة، فإن لولي الأمر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش".
في تقريره السنوي أكد مركز التعداد السكاني للأمم المتحدة أن سكان المملكة، الذي كان عددهم لا يزيد عن 3 ملايين نسمة في عام 1950، سيقفز 10 أضعاف ليصل إلى 31 مليون نسمة في العام الجاري، ويتضاعف ليفوق 62 مليون نسمة في عام 2050، لتحتل السعودية المرتبة الـ29 في العالم، وتتفوق بذلك على بريطانيا التي ستقع في المرتبة الـ30 بـ58 مليون نسمة.
ونظرا لأن نسبة الطلب المتزايد على السكن تفوق 5% سنويا، ما سيؤدى في نهاية عام 2025 إلى ضرورة توافر 4 ملايين وحدة سكنية جديدة لمواكبة هذا الطلب بحدود 3000 مليار ريال، فإن القيادة أدركت الحاجة إلى توفير السكن المناسب لكل مواطن، وهنا أضع خمسة مقترحات لإنهاء أزمة الإسكان:
أولا: مطالبة وزارة الشؤون البلدية والقروية باعتماد حدود المخططات العمرانية داخل مدن المملكة، وإصدار نظام صارم يحظر تملك الأراضي البيضاء واحتكارها لأكثر من عامين داخل هذه المخططات، إلا إذا قام مُلاكها بتطويرها للأغراض السكنية، وتزويدها بالخدمات والمرافق مع تطوير المناطق المجاورة لها، طبقا للوثائق الهندسية والخرائط المعمارية المعتمدة من أمانات المدن، وبالتعاون الوثيق مع هيئة المهندسين والمطورين في القطاع الخاص.
ثانيا: بعد موافقة مجلس الوزراء أمس فرض رسوم على الأراضي البيضاء فإنه يمكن تطبيق هذه الرسوم بشكل تصاعدي لمدة تزيد عن عامين داخل حدود المخططات العمرانية المعتمدة من الوزارة، على أن يتم إلغاء هذه الرسوم فور قيام المالك بتطوير مخططاته للأغراض السكنية، وضمن برنامج زمني محدد وموثق من أمانة المدينة وهيئة المهندسين.
ثالثا: تشجيع المطورين في القطاع الخاص على تطوير المشاريع السكنية داخل حدود المخططات العمرانية المعتمدة، وبناء الوحدات السكنية لبيعها بأقساط طويلة الأجل تصل إلى 25 سنة، وذلك من خلال تصنيف شركات التطوير وتوافر التمويل المناسب لها من القطاع المصرفي، كما هو قائم في مشاريع التأجير المنتهية بالتمليك أو الشراء بالتقسيط. وهذا لن يتحقق إلا من خلال إسراع الدولة في اعتماد وتنفيذ أنظمة التمويل العقاري والرهن العقاري والاستثمار العقاري.
رابعا: إلزام كل الشركات المساهمة، بما فيها البنوك، بتأمين السكن لمنسوبيها من المواطنين، والاستفادة من خبرة شركات أرامكو وسابك ومعادن في تأمين الأراضي داخل حدود المخططات العمرانية المعتمدة وتقديم القروض السكنية لمنسوبيها، واستقطاع جزء من رواتبهم لتسديد هذه القروض على مدد تراوح بين 7 إلى 15 سنة.
خامسا: تطبيق نظام حماية المنافسة السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/25 وتاريخ 4/ 5/ 1425، الذي حظر ممارسات الاحتكار ووضع له العقوبات الصارمة. إذ حددت المادة الأولى الهدف من إصدار النظام السعودي الرامي إلى حماية المنافسة العادلة وتشجيعها في السوق المحلية، وكذلك مكافحة الممارسات الاحتكارية التي تلحق الضرر بالمنافسة المشروعة.