هيئة مكافحة الفساد منذ تأسيسها وحتى الآن وهي تعمل دون تحقيق الهدف المطلوب. المستفيد الأول وهو المواطن ما زال يرى أن قصورا كبيرا في تلبية حقوقه والدفاع عنه.
ما زالت الشوارع، كمثال بسيط على أوجه الفساد في الوطن، تغرق مع كل قطرة مطر نفرح بها، وما زالت هيئة مكافحة الفساد لا تحقق بشكل كاف عن المتسبب في هذا الفساد والقبض عليه وتحويله إلى عدالة القانون.
ما زالت المباني الحكومية الحديثة تعاني التصدعات في جدرانها وتستدعي الصيانة فور افتتاحها، وهيئة مكافحة الفساد تكتفي بتوجيه خطابات لا أحد يرد عليها، وإذا تم الرد فإنه لا يحقق الهدف الأساس، وهو أن نحصل على بنية تحتية خالية من سرطان الفساد الذي يشعر المواطن أنه استفحل في جسد الوطن أكثر مما كان عليه قبل تأسيس هيئة مكافحة الفساد، إذ أصبح الفاسد يعمل مطمئنا وهو يرى أنها لا حول لها ولا قوة إلا أن ترسل خطابات، وتعاني ضعفا كبيرا في آلية التحقيق والأنظمة التي تسمح بها بالرقابة والقبض ثم المحاكمة والتنفيذ.
ماذا لو حولنا هيئة مكافحة الفساد إلى إدارة؟ إدارة تملك كل الإمكانات على غرار الإدارة العامة لمكافحة المخدرات أو المديرية العامة للمباحث، وحين أقول بكل إمكاناتها فإنني أقصد ذلك حرفيا، وهو تحويل هيئة مكافحة الفساد المدنية إلى إدارة عسكرية تتبع وزارة الداخلية، إدارة بضباطها وأفرادها ومعداتها المتكاملة، ولماذا نتعامل مع الفساد بشكل سلمي ومدني وهو أكبر خطر يهدد الوطن؟!
الفساد الذي يجعلنا نخشى على أطفالنا من فوهة صرف صحي أهملها مقاول وتنصل منها المراقب. الفساد الذي يجعلنا نخشى المطر بعد أن كنا نفرح به. الفساد الذي يجعلنا نرى بعض المشاريع تتعثر وبعد أن تتعثر، وبمجرد افتتاحها، تحتاج إلى مشاريع صيانة.
لن يتوقف الفساد بالطريقة المدنية التي تعمل عليها "نزاهة" الآن، بل نبث الطمأنينة في قلوب محترفي الفساد أكثر مما نردعهم ونقضي عليهم.
الفاسد المحترف لا تثنيه الخطابات التي تنهمر عليه من الهيئة، ولكنه سيكون مرعوبا حد الموت لو وصله خطاب استدعاء من مديرية مكافحة الفساد في حال تم تطبيقها بشكل عسكري تحت مظلة وزارة الداخلية.
لا يوجد شخص في العالم أجبن من الفاسد، فهو من شدة خوفه يشعر بالشجاعة، وهو يتستر ويتهرب من مسؤوليته تجاه مشاريع الوطن التي تعثرت على حساب نمو أمواله في البنوك، يشعر بالفخر وهو ينفقها في أرقى المنتجعات السياحية في العالم. يستطيع أن يفعل كل شيء ولكنه لا يحتمل أن يرى سيارة حكومية تحمل شعار الإدارة العامة لمكافحة الفساد، وقد يصاب بصدمة نفسية كبيرة لو علم أن هذه السيارة تقف أمام قصره المنيف الذي بناه بأموال الفساد وتنتظره للقبض عليه، لتجاهله خطابات واتصالات الاستدعاء للتحقيق.
حينها ستصل رسالة قوية وكبيرة لكل فاسد أن الدور قادم عليك. سينحسر الفساد حينها، وسننتظر المطر بكل لهفة، وسنرى المشاريع تنفذ في مواعيدها. سنستمتع بشوارع خالية من الثقوب والحفر وأنفاق لا تغرق وجسور متينة لا تسقط، ومبان صلبة لا تتشقق ولا تستدعي الكثير من الصيانة.
لن ينكمش الفساد المستشري في جسد الوطن إلا حين يعلم كل الفاسدين وأرباب الفساد ومتستري الفساد ومحترفيه أن هناك قوة عسكرية متكاملة تتبع وزارة الداخلية، لديها كل المقومات والآليات التي تمكنها من مطاردتهم والقبض عليهم، وكشف فسادهم وإثبات التهم عليهم، وتحويلهم إلى القضاء الذي يطبق عليهم القانون الرادع.
مكافحة الفساد ليست في حاجة إلى مسؤول لا يملك صلاحيات كاملة، بل في حاجة إلى ضابط لديه كل إمكانات وزارة الداخلية وحينها سنرى الفارق.
الفارق الذي يجعلنا نرى الوطن يتعافى من هذا المرض الخبيث الذي أصبح يمس حياة كل مواطن.